Search
Close this search box.

ما هي دعوة الاحياء الاسلامي

تتمحور دعوة الإحياء الإسلامي حول فكرة رئيسية هي “الإنسان المستخلف” فقد شاءت إرادة الله أن يجعل الإنسان خليفة له على الأرض ، وفي دين كالإسلام صارم في التوحيد فإن هذا يكون أعظم تكريم يمكن الوصول إليه ، كما يلحظ أن الله أمر الملائكة أن تسجد لأدم في حين أن لا سجود في الإسلام إلا الله .
لهذا خلق الله الإنسان ، كما خلق الأرض ، بصورة مميزة ليكونا مجلى الله ومشيئته في الكون ، فخلق آدم من طين إشارة لارتباطه بالأرض ، ثم نفخ فيه من روحه فوهبه الضمير والوعي والإرادة ، ثم علمه الأسماء كلها ، وهو تعبير عن تملك الإنسان لمفاتيح المعرفة ، كما خلق الأرض كوكباً مميزاً بين ملايين الكواكب فجعل مناخها محتملا ، وشق فيها البحار والأنهار ، وبسط السهول والجبال ، واختزن في جوفها المعادن ، وأوجد على سطحها الحيوان والغابات والنبات ، ليكفل للإنسان حاجته من المأكل والمسكن والملبس .
واختار من بقاعها بقعة هي كانت أصلح البقاع لتلقي دعوة الإسلام، هي شبه الجزيرة العربية، حيث تنبسط الصحراء كالبحر ، وتتطلق الرياح كالعواصف ، وبين أقوام لم يكدحوا بأيديهم في الأرض ، ولم يحملوا على ظهورهم الحجر ، مما شغل حياة الناس في العهود القديمة ، ولم تدل رقابهم لملك أو إمبراطور ، ولم يخضعوا لمران النظم وضبطها وربطها ، كتوا أحراراً يعيشون عيشة البداوة وتحكمهم الفطرة أو العرف ، ويعيشون في خيام يذهبون بها حيث الرعي أو في بيوت ساذجة ويتحملون الحر اللافح نهارا والبرد القارص ليلا ، ويعبدون آلهة من صنعهم ، فما كانت تملك تحريمًا أو تحليلاً أو تفرض قداسة أو “تابو” من أي نوع ، ولم يكن لديهم ميثولوجيا كالميثولوجيا اليونانية ، أو الميثولوجيا العبرية (وهي التوراة وما أضيف إليها من أساطير وروايات) ، تثقل كاهلهم
وتعقد أفهامهم، كانوا مثل “الفايكنج” لديهم الجرأة ، والشجاعة ، والثقة في النفس ، والإقدام

وكان البساط الأصفر المترامي للصحراء ، والرياح المنطلقة دون ما يصدها من جبال شاهقة تمثل أبرز خصيصتين لهذا المجتمع : المساواة والحرية ، فلم يعرف المجتمع العربي القديم النظم الطبقية ، ولا الألقاب

الوراثية ، ولا الحواجز ما بين الطبقة العليا والطبقة الدنيا ، التي كانت مألوفة في الإمبراطورية الرومانية . والفارسية ، وواصلت البقاء حتى الثورة الفرنسية ، وظلت بقاياها حتى الآن في بعض المجتمعات التي تحمل أرستقراطيتها الألقاب الموروثة ، إن العرب لم يعرفوا الأرستقراطية المقننة حتى عندما وصلوا إلى المرحلة الإمبراطورية ، فالحضارات القديمة لم تستطع أن تخترق أساس المساواة الذي غرسته البادية وعززه الإسلام .
وأنزل الله الإسلام ليهدي هذا الإنسان المستخلف ، فالإنسان هو الغاية، والإسلام هو الوسيلة .
لم تقدر الكتابات القديمة المعنى الكامل لاستخلاف الإنسان ، فما كان ليسمح لهم بذلك عهدهم القديم ونظمهم المستبدة، وبحكم عهدهم وثقافتهم تصوروا أن الاستخلاف هو صورة من صور العبودية الله” ، وشاع هذا التعبير في كتابات ابن تيمية، وانتقل إلى بعض المفكرين المحدثين مثل المودودي الذي تصور أن مضمون هذه الخلافة هو كما لو أن أحدنا أرسل خادما له ليلبي أمراً من أموره ، فإن عليه أن يحقق ما أراده سيده دون إضافة أو نقص أو تساؤل .. الخ ، إن هذا الإسقاط البشري على الله تعالى يدخل فيما قاله الله : فلا تضربوا لله الأمثال) (النحل : ٧٤) ، لأنه تعالى يعلم أنها أمثال “إنسانية” لا يمكن أن ترقى إلى حقيقة الله .
ويكفي للدلالة على خطأ فكرة المودودي أن الله تعالى لو أراد من هذه الخلافة العبد الطائع الذليل لما زوده بعقل ، ولا أتاح له إرادة ، أو حرية .

إن الله تعالى خلق نوعًا فريدا من الكائنات هو الإنسان ، نفت فيه من روحه ، وعلمه الأسماء ، وسخر له كل ما في الأرض ، فكيف يقال إن صلاحية هذا الخليفة لا تعدو صلاحية عبد يرسله سيده في مهمة عليه أن يؤديها حرفيًا دون زيادة أو نقصان ، دون فكر أو فهم ؟!!
إن كلمة عبد في القرآن إنما يريد بها الله تعالى “مخلوق” ، بل وليس لها معنى إلا هذا ، أما فكرة “العبد” التي توجد في مجتمع الرقيق ، فهذه من ثمرات فكر بشري طبقي ساد في إحدى مراحل البشرية ، ومحال أن تنطرق مثل هذه الفكرة إلى مقام الله تعالى وهو خلق الحرية والحكمة ، وقد أراد القرآن من إبراز حقيقة أن الإنسان مخلوق

استبعاد فكرة أنه “خالق” أو “إله” ، وهو أمر محتمل لأن الإنسان معرض للزلل، وعندما يظن الإنسان أنه خالق ، وأنه سيد الوجود ، فعندئذ يكون قد ناقض ما أراده الله عندما استخلفه وأتمنه على الأرض ، ووصل إلى “الشرك بالله” ، وهو ما ينتفي عندما يمارس الإنسان صلاحياته كخليفة الله زوده بالعقل والضمير والحرية والإرادة ، وأن الله تعالى لا يتدخل في عمله بحيث يشل إرادته واختياراته الدنيوية ولا يعاقبه في الحياة الدنيا ، لأن محاسبته إنما تتم في الآخرة ، وهذا المعنى متكرر ومترادف في القرآن الكريم، بل إن عطاء الله تعالى مبسوط للجميع غير محظور على الذين يريدون الحياة الدنيا ، وإنما يحاسب في الآخرة بمعيار لا يظلم فيه أحد قيد ذرة ، ويحكم فيه برحمة من الله تعدل مائة مرة رحمة البشر

إن الله تعالى وإن كان يعلم بكل صغيرة وكبيرة خافية وظاهرة ، فإنه وضع للكون نظما يسير عليها ، ووضع للمجتمع البشري “سننما” يلتزم بها” و”كتب” على نفسه اتباع ذلك كله ، فقال : إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيْرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا يَأَنفُسِهِمْ ، وقال : ذلك بأنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيْرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، وقال : (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ، وفي إطار هذه السنن والنظم يجب أن تفهم الإرادة الإلهية لا أن نطرح مفاهيم المجتمع البشري على الإرادة الإلهية.
إن هذه البداية تغير فهم الإسلام تغييرا جذريًا ، فالإسلام نظام يقيم مجتمع الإنسان المستخلف على الأرض ، ويجعله الغاية، ويجعل الدين الوسيلة ، فهل هناك شرع يصل إلى هذه الدرجة من الإنسانية ، دع عنك أنه يفوقها ؟ ومن الواضح أن قيام الإنسان الخليفة بوظيفته يتطلب مجتمعًا حرًا قيمته الأولى الرئيسية “المساواة” ، بحيث لا يوجد تميز ، ويخضع الجميع لسلطة القانون ، كما لا يمكن أن يوجد هذا المجتمع إلا عندما يقوم على الحرية في الفكر والعدل في العمل .
فهم الرسول جينا هذا فأقام على الأرض ، في المدينة ، مجتمعًا يحقق للإنسان العزة والكرامة ، وأرسى القيم التي تؤدي إلى هذا ، وكان أبرزها المساواة ، فكل المسلمين عدول يسعى بذمتهم أدناهم ، وهم كأسنان المشط ، ولا يعلو أي واحد على القانون ، فالرسول نفسه قبل أن يقتص منه ، والرجال والنساء ، والفقراء والأغنياء سواء في الحقوق والواجبات ، كما وضع نظاما يكفل الأمن والأمان للجميع ، ويبعد الخوف من الحاجة ، فلم يكن في المدينة بوليس ولا سجون ، كما كفل الأمن الغذائي وما تتطلبه المعيشة بسن الزكاة والتكافل الاقتصادي ، فحقق إسلام
الإنسان .

نعم إننا لا نجد في هذا المجتمع إشارات إلى حقوق الإنسان لسبب بسيط هو أن النظام بأسره قام أصلا للإنسان
، فذكر حقوق الإنسان فضول ، وعلى كل حال فإن لكل عصر لغته واصطلاحاته وما يركز عليه من قيم أو شعارات . المهم أن مضمون الإسلام عند الإنسان كخليفة وتنظيم المجتمع الذي يحقق ذلك بتقرير المساواة والأمن والكفاية كان محققا بالفعل لكل ما ينشده دعاة حقوق الإنسان في العصر الحديث ، ولو أجرينا مقارنة ما بين ديمقراطية السوق في أثينا وديمقراطية الجامع في المدينة لرجحت كفة الأخيرة ، لأن ديمقراطية السوق الأثينية كانت تستبعد الرقيق والنساء من المشاركة ، وهم أغلبية سكان أثينا، في حين أن ديمقراطية الجامع كانت تدخل الرقيق والنساء ، وتسمح بأن تقف امرأة لترفض رأي الخليفة ، ويستمع الخليفة ثم يأخذ برأيها ويقول قولته التاريخية : “أصابت امرأة وأخطأ

عمر” ، دلالات هذا لا تخفى ، فما كانت المرأة لتجرؤ على هذا ما لم يكن في أصله إيمان عميق بحرية الرأي وكرامة الإنسان وتقرير راسخ أمبدأ المساواة .
لم يستمر مجتمع المدينة وإسلام الإنسان سوى ربع قرن تقريبًا ، عشرة أعوام حكم الرسول ، وسنتين ونصف حكم أبي بكر ، وعشرة أعوام حكم عمر ، وعندما طعن عمر بن الخطاب طعن هذا المجتمع ، وبدأت الفتن والقلاقل مع انحراف عثمان عن سنة الشيخين ، واحتدام الخلاف ، فقتل عثمان وهو يقرأ القرآن ، وتدفع عنه زوجته حتى بترت السيوف أناملها ، وقامت حرب عنيفة حول هودج السيدة عائشة ما بين الذين يوجهون سهامهم إليه والذين يدافعون عنه ، ثم أخذ نصف المسلمين يحارب النصف الآخر في صفين ، وقتل علي بن أبي طلب الذي أراد إعادة مجتمع المدينة، وختمت الحقبة سنة ٤٠ هـ بتحويل معاوية بن أبي سفيان الخلافة إلى ملك عضوض لا يختلف عن أي ملك كسروي أو قيصري ، فهو وراثي سلطوي مستبد ، ومن هذا التاريخ استمر هذا الحكم السلطوي الفاسد حتى أنهى مصطفى كمال الخلافة سنة ١٩٢٤

يعود هذا الانتكاس إلى أسباب عديدة ، من أبرزها أن منظومة المعرفة الإسلامية في الحديث والتفسير والفقه التي وضعها الأئمة الأعلام إنما نمت في الفترة التي بلغت فيها الدولة الإسلامية مستوى الإمبراطورية (الإمام أحمد بن حنبل) عاصر الخليفة المأمون ، ومع أن هؤلاء الأئمة كانوا نابغين فعلاً ، وأرادوا القربي إلى الله وخدمة الإسلام وتنهيج المعرفة الإسلامية ، إلا أنهم لم يكونوا ملائكة معصومين ، وكانت وسيلة التعليم الكتاب المنسوخ باليد ، وأهم من هذا أن مقتضيات الدولة الإمبراطورية فرضت نفسها عليهم ، ولم يكن لديهم بديل ، وقد تعرض الأئمة الأربعة للاضطهاد ، بمعني كان المناخ مناخ يسمح بغير هذا وكان لابد لأتباعهم من مسايرة الدولة فجاءت أحكامهم مجافية للقرآن مناجية للسلطان ، كما أن الانتصار السريع للإسلام على ممالك طبقية شائخة أدخل في المجتمع الإسلامي الملايين من أفراد هذه الممالك ، ودخلوا في الإسلام لبساطته وسماحته ، ولأن هذا الدخول يفتح الطريق أمامهم إلى المراكز ، واستطاعوا بحكم نكاتهم أن يتولوا التفسير والحديث والفقه واللغة .. الخ ، ولكنهم وقد كانوا حديثي العهد بالإسلام ، طرحوا مفاهيم وراثاتهم الحضارية التي لم يتخلصوا منها تماماً على الإسلام ، فبعدوا به عن روحه الأصيل ، الحر، البسيط ، وكان المجتمع الإسلامي يموج بملل ونحل ومذاهب عديدة ، وأضيف إليها ترجمة الفلسفة اليونانية التي تأثر بها الفقه الإسلامي في مراحله الوسطى الحكم (العباسي .
ولم يخل الأمر من كيد دفين للإسلام .
مع توالي القرون تبلور “إسلام” “السلطان” في الفكر السلفي الذي سيطر على منظومة المعرفة الإسلامية ، وأصبح هو المقرر ، أو كما يقولون إسلام” السنة والجماعة” واكتسب أئمته وقادته قداسة ، وظل الأمر كذلك حتى مشارف العصر عندما بدأت اليقظة الإسلامية .

لم تستطع اليقظة الإسلامية التي بدأت مع جمال الأفغاني ومن عاصره وزامله أن تقضي على الفكر السلفي ،

لأن قوة جديدة كانت قد فرضت نفسها على العالم الإسلامي هي الاستعمار الأوروبي ومحاولته طمس الإسلام والعربية في عديد من الأقطار ، فتركزت جهود المصلحين عليه ، وأصبح ذلك هو الشغل الشاغل ، وشغلوا به عن قضية تجديد التنظير الإسلامي فاتفسح المجل للمؤسسات الدينية التي أخذت في الظهور واحتكرت تمثيل الإسلام ، كما أن الانتلجنسيا في الدول الإسلامية لم تسهم بدور في هذا المجال ، لأن بعضهم آمن بنظريات مجافية للإسلام كالاشتراكية والقومية ، ولم يكن لدي معظمهم الإحكام الفني للموضوع ، ولأن الحكومات وكلت إليهم المناصب خاصة في الإعلام فأصبحوا يسبحون بحمدها.
وظهرت تطورات في المجتمعات الإسلامية ، فأصبحت السعودية – بعد حرب رمضان وصعود أسعار برميل النفط من أربعة دولارات إلى أربعين – قوة ، وكونت رابطة العالم الإسلامي التي تولت تزويد الأقليات

الإسلامية في أوروبا والدول الإسلامية الفقيرة بالأئمة والكتب وقامت ببناء المساجد ، كما أن الأعداد الغفيرة من العمال والمهنيين الذين هاجروا بمئات الألوف إلى السعودية والخليج ثم عادوا بعد أن تأثروا بالفهم والعادات هناك ونقلوا هذا لبلادهم .
وهكذا كان على دعوة الإحياء أن تقوم بمهمة التجديد الإسلامي الجذري ، وإعادة تأسيس منظومة المعرفة الإسلامية ، وكانت دعوة الإحياء مهيأة لذلك ، ففي سنة ١٩٤٦ أصدر داعيتها جمال البنا كتاب “ديمقراطية جديدة وخصص فيه فصلا عن “فهم جديد للدين” وجه فيه الحديث للإخوان المسلمين الذين كانوا قد وصلوا إلى الأوج “لا تؤمنوا بالإيمان ، ولكن آمنوا بالإنسان” ، وظلت فكرة “إسلام “الإنسان” طوال خمسين عاما تختمر وتتطور ولم يعلن عنها إلا سنة ۲۰۰۰ ، لمناسبة صدور الجزء الثالث من كتاب لنحو فقه جديد”.
وكانت الخطوة الأولى هي إبراز المبدأ المحوري مبدأ “الإنسان المستخلف” والبرهنة عليها بدلائل من القرآن الكريم ، وأن الرسول طبق هذا المبدأ بالفعل في الفترة القصيرة التي حكم فيها وخلفه أبو بكر وعمر ، بحيث كان مجتمع المدينة مجتمعا إنسانيًا بمعنى الكلمة تسوده المساواة ، ويكفل للفرد الأمن والأمان .
ووضحت دعوة الإحياء كيف أن هذا المجتمع انتهى تمامًا سنة ٤٠ هجرية عندما حول معاوية بن أبي سفيان الخلافة إلى ملك عضوض ، وأن ما أطلق عليها الخلافة التي استمرت حتى الغاها مصطفى كمال في تركيا ، لم تكن خلافة ، ولكن حكما سلطويًا وراثيا مستبكا للأسباب التي أشرنا إليها آنفاً . 

تريد دعوة الإحياء العودة مرة أخرى إلى إسلام الإنسان ، وترى أن روح العصر الحديث تساعد على ذلك ، وهي ترى ضرورة إعادة تأسيس منظومة المعرفة الإسلامية على أسس إسلام) الإنسان وليس إسلام السلطان) ، ووضعت مجموعة من الكتب تفتح الطريق لذلك ، وتشرح أسس التأسيس الجديد والمبادئ التي يقوم عليها 

وتضمنت المراجع التي وضعتها الدعوة أكثر من ثلاثين كتابًا كبيرًا تعالج كل جوانب القضية الإسلامية (السياسة ، المرأة ، حرية الفكر والعقيدة ، الدعوات الإسلامية المعاصرة ، الفقه ، التفسير ، السنة ، التنمية ، الخطوط العريضة للحكم الرشيد التي تضمنها القرآن) .. الخ .
المبادئ العملية التي تتمخض عنها دعوة الإحياء الإسلامي ، وكلها من صميم ما جاء في القرآن وهي :

(۱) الإنسان المستخلف هو الغاية التي جاء لها الإسلام، فالإنسان هو الغاية ، والإسلام هو الوسيلة . 

(۲) المساواة في الحقوق والواجبات بين الناس جميعًا ، وبلا استثناء هي أساس مجتمع الإنسان المستخلف. 

(۳) العقل ، وما ينشأ عنه من علم ومعرفة هو ما يميز الإنسان وما جعل الله تعالى الملائكة تسجد له ، ولهذا فإن العقل أساس النظر الديني ، ولا شيء يستعصي عليه سوى ذات الله وطبيعته والعالم الآخر ، ويستتبع هذا إشاعة العلم والمعرفة في المجتمع .
(٤) العودة إلى القرآن الكريم واعتباره كتاب هداية ، واستبعاد كل التفاسير وكل ما جاء به المفسرون من نسخ أو أسباب نزول ، إن الصياغة القرآنية فيها قوة الهداية ، والقرآن يؤتي أثره بالانطباع . لقد كانت التفاسير افتياتنا على القرآن وتقولا عليه بما لم يقل ، ولهذا لم يستفد المسلمون من القرآن ، وهو روح الإسلام وأداة التحرير والثورية فيه، وكانت في الحقيقة من أسباب تأخر المسلمين . 

(5) السنة يجب أن تضبط بضوابط القرآن ، وليس لها تأبيد القرآن . وهذه القضية من أكبر قضايا الفكر الإسلامي ، لأن الستة كانت الباب الذي دخل منه أعداء الإسلام وتمكنوا بوضع الألوف من الأحاديث التي تطعن في القرآن وتشوه العقيدة ، بل وتشوه صورة الرسول ، وانطلى هذا كله على المحدثين الذين حرصوا على تجميع الأحاديث والروايات، واعتبروا أن الإسنك دليل صحة ، في حين أنه كان وسيلة الدس التي مرر بها الوضاعون أحاديثهم ، وليس من المبالغة أن بعض المحدثين توصلوا إلى “إرهاب” الناس ، وفرضوا الستة على القرآن وفضلوها عليه.

(٦) اعتبار “الحكمة” أصلا من أصول الإسلام ، والحكمة التي قرنها القرآن بالكتاب ، وقال : (وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكْمَة) ، هي كل ما انتهت إليه البشرية من أحكام ومبادئ وأصول ثبتت صلاحيتها على مر الأجيال ، وليست هي بالطبع السنة ، كما ذهب إلى ذلك الشافعي .
(۷) اعتبار الزكاة فريضة مقدسة كالصلاة وتنظيمها بحيث تؤدي دور الضمان الاجتماعي والتأمين” ، إن الفقهاء لا يزالون يعالجون الزكاة بالدرهم من الذهب والفضة ، ولا يزالون يتساءلون عما إذا كانت تفرض على غير الإبل والشياه والنخيل ، وكيف توزع .. الخ ، إن المفروض أن تتعامل معها بطريقة العصر فهي على كل الثروات والأموال التي تزيد عن حد معين، ويمكن أن توضع لها قوام شعبي تطوعي منظم ومنهج ، كما يمكن أن تقوم الدولة به عن طريق جهاز مستقل عنها تماما مثل (القضاء ، وتكون ميزانيتها مستقلة تماما عن ميزانية الدولة ، لدرجة أن القائمين عليه لا يتقاضون أجورهم من الدولة ، ولكن يأخذونها من الزكاة نفسها ، وتصرف منها على محدودي الدخل أو من يتعرض للبطالة والمرض .. الخ ، طبقا لما هو متبع في نظم الضمان الاجتماعي ، وهي الترجمة الحديثة لما يقولون عن “مصارف الزكاة” .

(۸) كل ما جاءت به الشريعة من أحكام عن الدنيويات، وسواء كانت في القرآن أو السنة إنما أنزلت لعلة هي بصفة عامة العدل والمصلحة ، فإذا حدث أن جعل التطور الحكم لا يحقق العلة (أي العدل والمصلحة) عدلنا في الحكم بما يحقق الغاية ، وهو ما اهتدى إليه عمر بن الخطاب في اجتهاداته المعروفة ، كما يحدث أن يقضي التطور على العلة نفسها لينتفي الحكم كما في أحكام الرق أو الغنيمة أو الجزية .. الخ ، فالإسلام لم يوجد هذه النظم وإنما وجدها وحاول إصلاحها حتى وصل التطور إلى درجة تمكن من القضاء عليها ، وهو ما أراده الإسلام .
(۹) مجاوزة السلفية وعدم الاعتداد بها ، فالسلفية هي الماضوية ولا نستطيع أن نعيش حاضرنا في ماضينا . 

(۱۰) استبعاد فكرة أن الإسلام يسيطر على كل شيء ، إن الإسلام – على أهميته القصوى – ليس إلا بعدا واحدًا من أبعاد متعددة للحقيقة كالعلوم والفنون والآداب والفلسفة التي تنطلق كل من منطلقها الخاص ، وتقدم عطاءها
الذي وإن اختلف عن عطاء الدين ، فإنه لا يزاحمه ، كما لا يستبعده الدين .
(۱۱) حرية الفكر والاعتقاد مطلقة ، والعلاقة ما بين الأديان هي علاقة تعايش .
(۱۲) تحرير المرأة من الدونية التي جاءت بها بضعة أحاديث ضعيفة أو موضوعة ، وتقرير مساواتها بالرجل .