Search
Close this search box.

11- على رغم أنف أبى ذر

ــ 11 ــ
يا علماء المسلمين القضية ليست قضية اتحادات
ولكنها قضية تطور آت..آت
(على رغم أنف أبى ذر)
ـــــــــــــــــ
بشرنا الكاتب الصحفي الأستاذ فهمى هويدي في مقالة بجريدة الشرق الأوسط يوم 16/4/2001 ص 9 بأن اتحاد العلماء المسلمين يوشك أن يتكون وقدم لمقالة بإشارة إلى فوضى الإفتاء في العالم الإسلامي، وأنه لا يحسم إلا بالاتفاق على مرجعية رشيدة، وضرب المثل عن فوضى الإفتاء بتعدد وتعارض الفتاوى في قضية تماثيل طالبان، وفي اعتبار من يخرج على طاعة الرئيس الأندونيسي “واحد” بغاة خارجين على الإمام، وكذلك تكفير المغني الكويتي عبد الله الرويشد.
وتحدث عن المجامع الفقهية القائمة مثل المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ومثل المجمع الفقهي للهند والمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث فضلاً عما هو موجود في مصر والكويت ودول أخرى.
ويقول الأستاذ فهمى هويدى: “ومن متابعتي للموضوع علمت أن خطوات عملية عدة اتخذت لأحياء ذلك الاتحاد حيث وزع مشروعه على علماء المسلمين المعنيين في مختلف أقطار العالم الإسلامي، وتم اقتراح قانونه الأساسي كما تم الاتفاق مبدئيًا على أن تكون إمارة الشارقة مقرًأ له بعد أن رحب حاكمها الشيخ الدكتور سلطان القاسمي بالفكرة”.
وحسبما فهمت من مطالعة وثائق الاتحاد المقترح فهو لا يلغى المرجعيات الموجودة، وإنما يكمل دورها ويغطى المساحات التي تشملها أنشطة تلك المرجعيات ويحدد مشروع الاتحاد سماته التي ترسم إطار حركته، ومنها ــ فضلاً عن أنه إسلامي بطبيعة الحال ــ أنه عالمي يمثل المسلمين كافة العرب والعجم والشرقيين والغربيين والأغلبية والأقلية وهو مؤسسة أهلية بامتياز لا تمثل الحكومات ولا تشتبك معها وإنما تستمد قوتها من ثقة الشعوب والجماهير المسلمة ثم أن الاتحاد مؤسسة مستقلة تماما لا تتبع دولة من الدول ولا جماعة أيًا كانت ولا طائفة مهما بلغت وهى لا تعتز إلا بالانتساب إلى الإسلام وأمته وفى مواقفه فالاتحاد ملتزم بنهج الوسطية، فلا يجنح إلى الغلو والإفراط، ولا يميل إلى التقصير والتفريط وإنما يتبنى المنهج الوسط للأمة الوسط وهو منهج التوسط والاعتدال” انتهى.
نريد أن نقول لعلماء المسلمين:
إن محاولة التوصل إلى حل واحد محدود في كثير من القضايا يتنافى مع مبدأ يُعد من مفاخر الإسلام وهو حرية الاجتهاد، وأن لا تكون هناك قوة ملزمة أدبيًا أو سلطويًا للأخذ برأي واحد دون بقية الآراء.
وهم بالطبع لا يجهلون إن الإمام مالك رفض دعوة أبى جعفر المنصور أخذ الناس بما جاء في الموطأ ولعلهم يعلمون أن عمر ابن عبد العزيز حاول شيئًا كهذا وأن ابن المقفع في رسالة الصحابة دعا إليه دون أن يستجاب لهذه الدعوات، لأنها تنافي الأصل في الفكر الإسلامي وهو حرية الاجتهاد وقد استبعد ــ عمليًا ــ مبدأ الإجماع وكلام أحمد بن حنبل والشافعي وغيره قاطع في هذا (ونرجو الذين يردون علينا بساذج القول أو مشهور النقل أو يعودوا إلى ما أشرنا إليه فنحن لا نجهل ما سيقولون ولكنه رغم وروده في الكتب انعدم في الحياة).
ونريد أن نقول ثانيًا إن الاتحاد المنشود لن ينجو من كل المزالق التي تتعرض لها الاتحادات رغم ما أورده الأستاذ هويدي من محاولات لأنه لابد وأن يكون لدية مالية دولية لا تكفى فيها اشتراكات العلماء والفقهاء وبالتالي فلابد من دعم ــ ولو من الدولة المضيفة ــ وهى الشارقة، كما ورد فإذا لم تدعم الدولة المضيفة فلابد من تبرعات سخية من مليونيرات البترول، وكفى.
وقد قرأت في جريدة الشــرق الأوسط (عدد السبت الصادر في 21/4/2001) الصفحة الأخيرة إن موقع إسلام أون لين الذي يرأسه الشيخ القرضاوي تلقى مليون جنية إسترليني من هيئة آل مكتوم الخيرية ويتلقى التبرعات كل يوم.
ولا شك في أن الاتحاد سيخضع للمعايير الانتقائية الخاصة في تعريفه لعلماء الإسلام وقد يريح نفسه فيأخذ بالترشيحات الرسمية أو الأكاديمية.
أما بالنسبة للمفكرين الذين لا يضعون العمامة الحمراء فإما أن يعدوا (غير مختصين) أو يكون عليهم الخضوع للهوى والمزاج.
وقد يكون أهم من هذا أن نتساءل ما هو الجديد الذي سيأتي به الاتحاد المنشود ؟ هل سيشمر عن سواعد الهمة وينبش في أكوام التراث للوصول إلى حلول للمشكلات الجديدة، أم هل سيبدع مذهبًا جديدًا، وما هي أسس هذا المذهب الجديد ؟ وفيم تتفق أو تختلف ؟ وما هي الوسطية المطلوبة ؟
الذي أعلمه أن علماءنا الأجلاء ليس لديهم وقت للدراسة المتأنية الطويلة، لأن المؤتمرات والإذاعات والمحاضرات والقنوات وهيئات الرقابة الشرعية بالبنوك الإسلامية تنتاشهم وتستحوذ على كل دقيقة من وقتهم كان الله في عونهم.
والذي أعلمه أيضًا أنهم بحكم مزاجهم وثقافتهم يتجهمون لكل جديد ويتكتمون كل إضافة فهم إما جاهلون بها أو متجاهلون لها، إذا كنت لا تدرى فتلك مصيبة.. الخ.
وليس لدى دليل إيجابي ولكن لعل لدى دليل سلبي فأنا لم أعلم بنبأ الاتحاد إلا من جريدة الشرق الأوسط علمًا بأني قد أصدرت “الأصلان العظيمان الكتاب والسنة” سنة 1982، وبعد ذلك أمضيت عشر سنوات (1990 ــ 2000) في كتابة وإصدار الأجزاء الثلاثة من “نحو فقه جديد” (التي أرسلها مجانا فاعل خير ــ طبيب بالسعودية إلى شيخ القرضاوى) وأثارت نقاشات عديدة.
على كل حال.. ليست هذه هي القضية..
لم تعد القضية اتحادات واجتماعات ومؤتمرات يقيمها فقهاء وتدعمها حكومات لقد مل الناس هذه الاتحادات والمؤتمرات والرحلات (رايح جاي) وما تأنى به من غثاء.
لقد أصبحت القضية تطور آت.. آت..
القضية قضية فقه جديد يضع أصولا تتفق مع الكليات القرآنية ويستلهم الحكمة كأصل من أصوله ويتعامل مع تحديدات العصر بلغته وطرائقه وينحى جانبًا كل هذا التراث الذي فقد مضمونه، ويضع الإسلام على خريطة العصر الحي، وليس في متاحف التراث، وكل ما يقومون به من جهود واتحادات الخ ليست إلا بدائل جوفاء ومحاولات يائسة لعرقلة ظهور الفقه الجديد.
ولكن قطار التطور قد أنطلق ولن تقفه قوة كائنا ما كانت.
وفي الحديث الذي أورده مسلم في صحيحه عن أبى ذر أن الرسول قال: “ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة”، قلت وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق، ثم قال على رغم أنف أبى ذر”، فخرج أبو ذر وهو يقول: وأن رغم أنف أبى ذر.
إن هذا الحديث يرينا مدى تشبث الأفراد على وجهة نظرهم ومراجعتهم الرسول مرارًا حتى يحسم الأمر برغم أنفهم.
وعندما يأتي التطور بالفقه الجديد فسترغم أنوف أناس ليسوا بأفضل من أبى ذر.