Search
Close this search box.

8 ــ ضرورة إعادة النظر في إجراءات الاتهام والحبس والتشهير

ــ 8 ــ
ضرورة إعادة النظر
في إجراءات الاتهام والحبس والتشهير
ـــــــــــــــــ
لم أكن في القاهرة عندما ظهرت قضية مركز أبن خلدون. إذ غادرتها يوم 11/6 متوجها إلى جنيف وظللت بها حتى 22/7 عندما عدت إلى القاهرة 23/7 ولم أعلم الكثير من تفاصيلها إلا ما عرضته بعض الإذاعات وخاصة في جريدة الحياة التي اطلعت في جنيف على أعداد منها.
ومع هذا فإن النذر القليل الذي علمته حرك الشجون وأعاد إلى نفسي ذكري محنة شبيهة بمحنة الدكتور سعد الدين إبراهيم مررت بها في الخمسينيات ، عندما أسست مع بعض رجال وسيدات الإصلاح الاجتماعي الجمعية المصرية لرعاية المسجونين وأسرهم عام 1953 وبدأت الجمعية حياتها بانطلاقة جريئة تكاد تكون صاعقة، على نظم السجون، واستطاعت أن تزور السجون والليمان وأن تقضي جلسات طويلة مع المدير العام للسجون وضباطه وأن تتوصل معهم إلى وضع بذرة الإصلاحات مثل تكوين كانتيات، والسماح بالتدخين، وإحلال أسرة محل البرش، وتخفيف الأغلال الحديدية للمحكوم عليهم بالمؤبد ووضع مشروع لعدم احتساب السابقة الأولى.
ويبدو أن سلطات السجون اعتقدت أن ثمة صلة غامضة بين الجمعية وبين ضباط الحركة، وإلا لما اتسمت تصرفاتها بهذه الجرأة، وكانت تلك هي أيام ربيع العلاقة ما بين الأخوان وضباط الحركة، وإلى حد ما فقد كان لهذا الظن ظل من حقيقة، فقد زرت مع بعض أعضاء وعضوات الجمعية المشير عبد الحكيم عامر الذي تجاوب مع قضية الجمعية وأرسل ألينا بالفعل خطابًا يعرب عن تقديره وتجاوبه، ولكن في أواخر سنة 1954م تبددت العلاقة الحسنة بين الإخوان وضباط الحركة إثر حادث المنشية، وانقلبت إلى عداوة مريرة، وعندئذ حانت الفرصة لسلطات السجون لتسوية الحسابات وحبكت مكيدة محكمة للجمعية وتزامن ذلك مع اتجاه الحكومة للاستحواذ على الجمعيات الأهلية فلما قاومت هذا الاتجاه رغم جهود بعض الوسطاء، مضت المكيدة قـُدما وتحولت إلى قضية، توصلوا بها لحل مجلس الإدارة ولتكوين مجلس الإدارة جديد كان يفترض أن يدعو الجمعية العمومية خلال شهرين ولكن امتد إلى سنتين توصل فيها إلى تكوين جمعية عمومية من صنعه، وعندما حكمت المحكمة بعد قرابة خمس سنين بالبراءة من المكيدة التي تحولت إلى قضية كانت الجمعية قد أصبحت في أيدي ضباط السجون أنفسهم.
وأثرت هذه المحنة في نفسي أثرًا عميقًا، وبدأت أكتب السطور الأولى في كتاب بعنوان “التي يسمونها عدالة”.
كان من محاوره الرئيسية إحلال نظام قاضى التحقيق محل نظام وكيل النيابة لأني لمست أن النيابة هيئة اتهام أكثر مما هي هيئة تحقيق ومن الصعب أن تكون خصمًا، وحكمًا، فيقضي بالسجن وتجدد له.
ما كنت لأكتب هذه المقدمة الطويلة لولا أن أحداث قضية مركز ابن خلدون قد أعادت إلى نفسي الأحاسيس القديمة خاصة وأني لم أكتب “التي يسمونها عدالة”، فوجدتني أمسك القلم وأكتب اليوم ما كنت أريد كتابته منذ خمسين عامًا.
كما هو معروف، تبدأ عجلة التي يسمونها عدالة في التحرك عندما يصل إلي البوليس واقعة أو ينقل إليه أحد المرشدين إخبارية أو عندما يصل خطاب من مجهول فاعل خير !!
يرسل البوليس عيونه لجمع التحركات وإلقاء القبض على المتهم ويسوقه إلى القسم ومطالبته بالاعتراف، فإذا قال أنه برئ ضرب حتى يضطر في النهاية للاعتراف حتى بما لم يفعله، وعندئذ يكتب البوليس محضرا ويرسله إلى النيابة.
هذا الأسلوب يخالف مخالفة تامة ما هو متبع عند الدول الحديثة فعندما تتكاتف الأدلة، فإن سلطات البوليس تعرضها على القاضي الذي يمنحها إذنا بضبط المتهم وعندئذ تطرق بابه لتخبره بكل ذوق بأن لديها إذنا بالقبض عليه وتحذره بأن كل شئ يقوله يمكن أن يتخذ ضده وأنه يمكن أن يطلب محاميه.
إن طريقة القبض على المتهم وسوقه إلى أقسام البوليس وضربه بمعرفة ضباط المباحث وأعوانهم، حتى يقر لهم بما يريدونه واستخدام الركل والصفع والتحقير والإهانة، هي اغتيال لكرامة المواطن وإهدار لكل الضمانات التي يفترض توافرها.
إن ماضيًا مظلمًا قديما يكتنف ظهور وعمل أجهزة القبض على الناس دعمته في العصور الحديثة محاولات الاحتلال البريطاني تسخير البوليس لإذلال الشعب، وليكون سوط عذاب عليه وبقيت رواسب كريهة منها حتى الآن بفعل الحكم الشمولي، وتطفح الصحف يومًا بعد يوم بأخبار لا تدع شكًا في أن هذا الأسلوب الهمجي الذي يمثل انتهاكًا لكرامة المواطن هو الدأب المقرر في أقسام البوليس.
وما أن تنتهي هذه المرحلة التي تنتهك فيها كرامة المواطن حتى تبدأ مرحلة أخرى لانتهاك حريته مع تحويله إلى النيابة.
والنيابة يعمل بها المتخرجون الذين يحصلون على أعلى درجات في سنة الليسانس بكلية الحقوق، دون أن يتوفر لهم ضرورة السن والنضج والخبرة، وبقية الصفات التي يجب أن تتوفر فيمن يمارس سلطة، لأن السلطة مفسـدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة كما يقولون.
والأصل في النيابة أنها هيئة تحقيق، ولكن الأوضاع جعلتها هيئة اتهام، وقد ينم عن ذلك لفظ الإدعاء الذي يطلق عليها في بعض الحالات، والإدعاء نوع من الاتهام، فضلاً عن صلتها بالسلطة التنفيذية التي تقربها من الاتهام قدر ما تبعدها عن التحقيق الذي يتبلور في السلطة القضائية.
وسلطة النيابة سلطة مطلقة، لأنه لا معقب عليها فحتي في القضاء يمكن رد المحكمة ولكن النيابة لا يطعن في قراراتها لأنه لا وقت ولا سلطة، ولأن طبيعة قراراتها تنفيذية فإذا أذنت بالتفتيش فتش البيت أو المكتب، وإذا أمرت بالتحفظ عليه أغلقت أبوابه بالشمع الأحمر، وإذا أمرت بالسجن نفذ ذلك، وحتى لا يوجد احتمال للإفلات فإنها عادة ما تأمر بالحبس الاحتياطي الذي يكون أربعة أيام أو خمسة عشر يوما ويقترن أمر السجن بكلمة، “ويجدد له” كأن تجديد الحبس أمر مفترض، وحتى لا يتطرق إليه النسيان فيطلق سراح السجين وتلك هي الطامة الكبرى.
ولو عرف وكلاء النيابة المعني الحقيقي للتفتيش والتحفظ والحبس الاحتياطي فربما ترددوا قبل أن يأذنوا به.
إن التفتيش، هو الانتهاك لحرمة المنزل وترويع لأهله من نساء وأطفال وقلب كل ما فيه من أثاث ومتاع رأسًا على عقب، ومد الأيدي داخل الأدراج وتحت الوســائد والمراتب، وقد يتطلب الأمر تمزيق أغطيته.
أما التحفظ وإغلاق الأبواب بالشمع الأحمر، فهو قطع الأرزاق وإيقاف التعامل والتشرد.
وكان واجبًا على القانون عندما يأذن بالتفتيش وكيف يؤدي أن يحظر أنواعًا معينة من الممارسات خلاله، وإلا فهل القانون في حاجة لمن ينبهه لأهمية التفاصيل.
وأسوأ من التفتيش الأمر بالحبس الاحتياطي.
إن الحبس الاحتياطي يتناقض مع مبدأ أصبح من بديهيات التحقيق في العالم أجمع وهو أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته.
والمتهم في دور التحقيق برئ ولا تثبت إدانته إلا إذا حكم عليه بذلك قاضيه الطبيعي، فكيف جاز إذن أن يوقع على هذا البريء أسوأ أنواع العقوبة وهو الحبس.
يمكن للسجن الاحتياطي أن يكون غرفة في فندق 5 نجوم، ولكن هذا لا ينفي انه يقضي على حرية المتهم ويجعله سجينا فيها ويمنعه وعن أهله وإخوانه وعمله.. والخ.
فإذا كانت الحرية هي أعز شيء للإنسان وإذا كان أولى أولويات هذه الحرية السير أو المشي أو الاتصال.. الخ، فإن السجن يعد انتهاكا لأثمن قيمه بالنسبة للإنسان وهي الحرية، يقولون الحرص على الأدلة والحيلولة دون التأثير على الشهود.. الخ، هذه دواع حسنة فاعملوا لتحقيقها دون أن يتم هذا باغتيال الحرية.
ما قيمة الحقيقة إذا جاءت باغتيال الحرية، إننا إذا سمحنا بانتهاك الحرية لأي سبب سينتهي الأمر بالقضاء على الحرية كلية.
يزيد من فداحة الأمر أنه ليس هناك حاجة لهذه الدرجة من درجات التحقيق والاتهام والحبس لأن من الممكن أن يحيل البوليس الأمر إلى قاضي التحقيق ليتولى الأمر.
وهناك فرق كبير بين قاضي التحقيق ووكيل النيابة.
فقاضي التحقيق يتوفر لـه بحكم كونه قاضيًا خبرة الممارسة القضائية ونضج السن، وهو قاض لا علاقة له باتهام جاء من سلطات البوليس ولا علاقة للقاضي بالسلطة التنفيذية، وباعتباره قاضيًا فإنه يفسح المجال للدفاع أكثر مما تسمح به النيابة، وتحيط باسمه هالة القضاء والعدالة، في حين تعلق بالنيابة شائبة الادعاء والاتهام.
إنه القاضي الطبيعي كما يقولون أي الذي يتوفر لـه حصانات القضاء وتنتفي أي علاقة لـه بالسلطة التنفيذية والذي يطبق تقاليد القضاء والعدالة في العالم أجمع.
فإذا لم يكن للنيابة ضرورة لأن من الممكن أن يحل محلها قاضي التحقيق ويؤدي المهمة أفضل منها فإن الإصرار على بقاء النيابة وما يكلفه ذلك للدولة من أعباء مالية باهظة جعل بعض الناس يظنون أن مبرر الإبقاء عليها هو تمكين السلطة التنفيذية من تسليط قوة تمارس ــ تحت مظلة قضاء ــ إرهاب الناس وإيقاع الذعر والخوف وإبقاء شبح التفتيش والتحفظ والحبس الاحتياطي سيوفا مسلطة على كل من تحدثه نفسه بمخالفة النظام القائم كائنه ما كانت هذه المخالفة.
ما بين النيابة ومرحلة القضاء، يمر المتهم بمرحلة أسوأ ما يتعرض له، لأنه إذا كانت مرحلة البوليس قد انتهكت كرامته، وإذا كانت مرحلة النيابة قد انتهكت حريته، فإن المرحلة ما بين النيابة والقضاء تنتهك براءته، بما يثار من إشاعات وما يسجل من أقاويل وما تعرضه الصحف من صور.. الخ.
إنها مرحلة التشهير وانتهاك البراءة.
إنها المرحلة التي يهرع فيها الصحفيون وآلاتهم لتصوير المتهم وهو مكبل اليدين بالحديد يسوقه الحراس إلى السجن أو وهو يركب عربة الترحيلات.
إنها مرحلة التشهير والهمز واللمز وفرصة الأعداء الشامتين، وقد يكون هناك عذر للسذج من الناس إذا أساءوا الظن بالمتهم، بل وحكموا عليه بالإدانة ما دامت النيابة التي يفترض فيها الدقة والأمانة قد حكمت بحبسه احتياطيًا، فما من دخان بدون نار، ولكن الأمر أعمق من هذا، إن ثلاثة آلاف سنة من الحكم الاستبدادي المركزي في هذه البلاد حالت دون أن تسنح للحرية فرصة الظهور إلا خلال الثلاثين عامًا ما بين دستور 23 وانقلاب 1952م وهي المرحلة الليبرالية حقا في تاريخ مصر التي أعجلها وقضي عليها الحكم الشمولي.
ولا يمكن لثلاثين عامًا من الحرية أن تصلح فسادًا أو تمحو غشاوات الظلم أو الاستبداد طوال ثلاثة آلاف عامًا.
حتى الدعوات الإصلاحية ما بين تجديد إسلامي أو عدالة اجتماعية وقعت في أيدي فقهاء التقليد وأنصار الماركسية، وهؤلاء وأولئك لا يؤمنون بالحرية.
في هذا الجو المغلق يصبح كل تصرف يختلف عن التصرف الشائع نوعًا من الخلاف والشقاق، وربما الخيانة والكفر ولا يمكن أن يظهر إيمان بحرية الآخر، لأن حرية الآخر تقتضي ضرورة الاختلاف في التصرف أو السلوك أو الأيمان عما هو شائع وسائد، وإلا لما كان آخر.
وما أن يظهر الآخر الذي يمارس حريته حتى يوصم بالكفر والهرطقة والزندقة والخيانة والعمالة والشذوذ والخروج عن الجماعة.
هذا كله قبل أن تدخل أجهزة الدولة قبل أن تقضي عليه النيابة بالحبس الاحتياطي، فإذا قضت بحبسه فكأنما حكمت عليه بالإدانة.
وإذا كان المتهم من الشخصيات العامة المعارضة لسياسة الدولة، فهنا تطلق الدولة أجهزتها وأموالها وأقلامها وأبواقها لتشوه صفحة المتهم، ولكي تلصق به أسوأ الاتهامات، دون أن يكون لهذه الاتهامات أساس رصين أو وقائع مؤكدة، وإنما هي الظنـــون والشكوك.
هل يتصور أن تعلق بجمال الدين الأفغاني الذي وهب حياته كلها لدعوته وعقيدته ومحاربة الاستعمار والطواغيت وضحي في سبيل ذلك بكل شيء شبهه وينسب إليه اتهام ؟
بلى ومن اليمين واليسار أيضا فقد ساء ظن اليمين به عندما انتمي إلى محفل ماسوني فزجوا به في معسكر الماسونيين ولم يعجب اليسار إسلاميته فتساءل لويس عوض عن “الإيراني الغامض” ونسب إليه العمالة لدول أجنبية.
ولم يكن حظ تلميذة الأثير الشيخ محمد عبده بأفضل منه، فرغم كل كفاحه فإن علاقته باللورد كرومر جعلت الوطنيين يشكون فيه دون أن يعلموا أنه ما التجأ إلى اللورد كرومر، إلا بعد ما عجز تمامًا عن أن يكبح جماح الوالي الشرعي الخديوي عباس عن أن يستحوذ على أرض الأوقاف، فاضطر للاستعانة باللورد كرومر الذي أوقف الخديوي عن محاولته الشرهة.
وحاقت الاتهامات بتلميذ الشيخ محمد عبده الشيخ عبد العزيز جاويش عندما كان بصدد تكوين جمعية إســـلامية، وصور ذلك شــوقي:
يقولون ما لأبي ناصـــــر وللترك ما باله والهنـــود
وفيم تحمل هم القـــــريب من المسلمين وهم البعـيد
فقلت وما ضركم أن يقوم من المسلمين إمام رشـيد
أتستكثرون لهم واحـــــدًا ولي القـديم نصير الجديد
وأخيرًا ألقي القبض على أكبر شخصية في مصر الرجل الذي مصَّر الصحافة ورفع مرتب الصحفي من عشرات الجنيهات إلى مئاتها وأقام صرحًا صحفيًا ممردًا بكفايته الخاصة دون مساندة من الحاكم “مصطفى أمين” متلبسا بمقابلة مع شخصية من السفارة الأمريكية وادعوا عليه كتابه تقارير ضارة بأمن وسلامة البلاد، وهو الرجل الذي أوفده عبد الناصر في أعقاب سنة 1956م إلى الولايات المتحدة ليعرض قضية مصر ويفضح العدوان الثلاثي.
لقد طعن جمال الأفغانى ومحمد عبده وعبد العزيز جاويش ومصطفى أمين في وطنيتهم وإخلاصهم، وهم أفضل من عمل وخدم وضحى للأوطان.
والآن يحدثوننا عن الدكتور سعد الدين إبراهيم والأموال التي يتلقاها والتقارير التي يكتبها وأغرب شيء تزوير بطاقات الانتخابات.
كنا في معتقل “الطور” سنة 1949م، نقرأ عن ترسانات الأسلحة التي وجدوها في بيوت بعض الإخوان وأنواع القنابل والمسدسات والمتفجرات، ويعلم الله أن لم يكن في بيتهم من الأسلحة سوى سكاكين المطبخ.
لقد أوحت لي قضية سعد الدين إبراهيم ببعض الخواطر أعرضها للقراء، مجرد عرض، ولكل واحد بالطبع أن يأخذ أو يدع، أن يوافق أو يرفض، ولكن المهم أن لا تظل من المسكوت عنه الذي لا تلفظه الشفاه ولا تسجله الأقلام.
أولي هذه الخواطر في الدول المغلقة التي تستبد نظمها الحاكمة وتسير في الاتجاه المخالف تماما لإرادة شعوبها، فتزور الانتخابات وتضرب بأحكام المحاكم عرض الحائط وتنصب حراسات على النقابات وتصادر الصحف وتحل الأحزاب، وتسلك سياسات مالية لا يعرف حقيقتها الشعب تمامًا، ويزيف التاريخ ويتضخم الفساد ويشتد التقطب الاجتماعي والاقتصادي ما بين الملاين تعيش في المقابر وعاطلين لا يجدون عملاً، بينما يوجد مئات من البليونيرات يملكون الطائرات واليخوت والمدن السكنية والأبراج والشقق التي تبلغ الواحدة بضعة ملايين من الجنيهات.
في هذه الدول، التي تنفق حكوماتها أموالها على السجون والأمن المركزي والسيارات المصفحة، ويكون الركل واللطم والسب والتعذيب سياسة مقررة في أقسام البوليس ومراكز أمن الدولة، وتحكم بالقوانين سيئة السمعة وأحكام الطوارئ عشرات السنين…
في هذه الدول التي لا يعرف أبناؤها أخبارها إلا من الإذاعات الأجنبية وتصر حكوماتهم الغبية مع هذا على كتمانها.
إذا اتصل كاتب أو مفكر أو رجل عام بهيئات دولية خارجية، هل يعد هذا الرجل خائنًا، أو عميلاً، أو جاسوسًا ؟
نريد أن نفهم هل النظام القائم في دولة ما هو الممثل للوطن والدولة ؟ أم أن الجماهير المطحونة التي لا تستطيع أن ترفع صوتها ولا تتكتل أو تعمل، هي التي تمثل الشعب والأرض والوطن.
هل كان جمال الأفغاني عندما ندد باستبداد وسوءات شاه إيران في مجلته ضياء الخافتين التي أصدرها في لندن كان يرتكب خيانة وطنية ويكشف الغسيل القذر أمام أعداء بلاده ؟ كما ذهب إلى ذلك الأستاذ أحمد أمين أم أنه لم يجد إلا هذه الطريقة لإيقاف فساد الشاه ؟
هل أخطأ الشيخ محمد عبده عندما صافح اللورد كرومر لينقذ أموال وأراضي الوقف من قبضه الحاكم المصري الشرعي الطماع الذي كان يريد الاستحواذ عليها ؟
أعجبني في لقاء تلفزيوني ما قاله الأستاذ نجاد البرعي لمناظره أنتم تريدون أن تستفردوا بالناس والشعب ونحن نحول دون ذلك.
هل نسلم الشعب فريسة سهلة لكل استبداد حكومي حتى لا نضطر للاستعانة بهيئات أجنبية.
ما هي الوطنية ؟ هل الوطنية أن تؤيد الحاكم بشخصه وأن تمزج بينه وبين الوطن ؟ أو أن الوطنية هي أن تخلص للشعب وحده وللقيم النبيلة من حرية وعدالة ؟ ومن هو الملوم والخائن ؟ هل هو الكاتب الذي يستنجد بالهيئات الأجنبية لإنقاذ شعبه ؟ أو الحكومة التي ألجأت هذا الكاتب إلى ذلك ؟
لقد قالت ممرضة بريطانية “الوطنية وحدها لا تكفي”، بينما كان أحد الكتاب أشد صراحة منها عندما قال إن الوطنية هي الملاذ الأخير للرجل النذل.
لقد صعدنا القضية إلى أعلى مستوى يمكن أن تعالج عليه كائنًا ما كان، وإن كان الواقع قد لا يصل إلى هذا المستوى.
الخاطرة الثانية:
الدكتور سعد الدين إبراهيم أستاذ أكاديمي عريق تعلم على يديه أفواج أو أجيال من الدارسين، بل ومن المدرسين وأصدر العديد من الكتب وكان نجمًا في التلفزيون ووصلت شهرته إلى العالم الخارجي واستعانت به أجهزه الأمم المتحدة وأسس من عشر سنوات مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية واتخذ له اتجاها مستقلاً وأحاطه بمجموعه من الأمناء جددت ثلاث مرات وكل مرة كانت تضم رئيسًا سابقًا للوزارة وعددا من الوزراء والسفراء والكتاب، هذا الأستاذ الأكاديمي ورجل الدراسات والبحوث انقلب بين عشية وضحايا إلى متهم يساق إلى السجون كما يساق معتادو الإجرام، وادعت مجلة القاهرة في عددها الصادر في 1/8/2000 سعد الدين إبراهيم يبكي ويعترف أخطأت في حق بلدي ليلة القبض على سعد الدين إبراهيم بملابس السجن.. الخ.
وليست هذه سوى عينه صغيرة مما نشرته بعض الصحف وحكمت على الرجل بالإعدام الأدبي وأسقطته من منصة العمل الوطني الرفيع إلى درك الخيانة والعمالة والارتزاق.
يا سبحان الله !!!
هل لم يفعل سعد الدين إبراهيم ومركز ابن خلدون على مدار الأعوام الطويلة شيئًا حسنًا ولو مرة واحدة، كان يمكن أن يذكر جنًبا إلى جنب الاتهامات والادعاءات.
لقد كنت شخصيًا أختلف مع د. سعد الدين إبراهيم في كثير من المسائل، ولكني قبلت أن أكون من الأمناء لأن الرجل طاقة إيجابية وشعلة ذكاء، ولـه من الاتصالات ما يمكنه من أن يؤدى الكثير، وأنا لا أبيح لنفسي أن أحكم على من اختلف معه، لأن الحقيقة متعددة الأبعاد، ولأن الاختلاف يؤدى في النهاية إلى تكامل وهو لا يفسد للود قضية، بل يقدم للود أعظم خدمة.
إن الشماتة صفة وضيعة صغيرة لا يمكن أن تسيطر إلا على الصغار ومع هذا فقد يكون من حق أي واحد أن يشمت ولكن لا يجوز أن يصب هذه الشماتة على صفحات جريدة عامة لأنه يهين القراء بنثر قاذوراته ويدين شخصًا لا يزال حتى الآن بريئًا باتهامات ليس له أن ينشرها حتى ولو كانت صحيحة، لأن الصحافة ليست بوليسًا يتقصى الأخطاء والاتهامات، وليست هي كلاب صيد تتعقب فرائسها، وليست الأقلام سكاكين لتنهش لأعراض، وإنما هي وسيلة للخبر الصادق أو المعلومة النافعة، أو التوجيه السليم، فما بالك إذا كانت هذه الاتهامات باطلة أصلاً وفصلاً، شكلاً وموضوعًا.
إذا لم يكن لدى بعض الصحفيين وازع الضمير وحاسة من التقدير فأعتقد أن القانون يجب أن يحمي أعراض الناس وكرامتهم من مثل هذه الاتهامات بحيث يكون على الصحيفة أن تدفع تعويضًا كبيرًا يصل في الخارج إلى ملايين جزاء على ما أقدمت عليه من التشهير والنيل من كرامات وأعراض الناس، والاتهامات التي اتهم بها الدكتور سعد الدين إبراهيم تثير الضحك، إن كتابة البحوث والتقارير الاقتصادية وتفسير الظواهر الاجتماعية.. الخ، هي صور مألوفة تمارس في أربعة أركان البلاد ويشتغل بها الكثير من أساتذة الجامعة وغيرهم ويتقاضون بالطبع مكافآت ضخمة لأنهم في الخارج يقدرون الكلمة ويقدرون الفكر، ولا يمكن لهؤلاء أن يقولون أكثر من أحكام المحاكم وما تفيض به صفحات الجرائد من أخبار الهبر والفساد ونهب أموال البنوك.
أما أخذ الإعانات من هيئات خارجية، فهذا أيضًا وضع مقرر يمارس منذ ثلاثين عاما تحت سمع وبصر الدولة ورقابتها، وأعلم أن الجامعة العمالية ما كان يمكن أن تقوم لولا الإعانات الضخمة التي قدمتها مؤسسة فريد ريش إيبرت الألمانية، وأن دورات عديدة لمعاهد المؤسسة الثقافية العمالية، كمعهد العلاقات العمالية الدولة، ومعهد الدراسات الثقافية، ومعهد الثقافة السكنية، ما كان يمكن أن تتم لولا المعونات التي يقدمها بصفة منهجية المكتب الأفريقي للاتحاد الأمريكي للعمال، أما المعونات الأجنبية في مجال الآثار وإصلاح البيئة.. الخ، فحدث ولا حرج.
ويصدر مركز ابن خلدون ميزانية سنوية يوضح فيها المبالغ التي تقدمها هيئات خارجية وهو يدفع ضرائب عن ميزانيته تلك.
وقد تعرض كل واحد يعمل في الخدمة العامة للاتهام، وأتهم أكبر مجموعة من أكبر المفكرين في فترة الحرب الباردة بتقاضي أموال من المخابرات الأمريكية C.I.A لتأسيس مجلة انكوتنر، ومن هؤلاء أرثر كوستر وسيفن سبندر، وامبازيو سيولوني، وجورج أورل، وأندريه جيد الذين ألفوا كتاب “سقوط الآلهة”، وليس المهم على كل حال قبول أموال، ولكن المهم هو فيم تنفق هذه الأموال ؟
وعندما لاموا الإمام الشهيد حسن البنا لأنه قبل تبرع شركة قنال السويس الاستعمارية كما قال أحد المتشنجين فإنه قال: المال مالنا والقناة قناتنا وهذه بضاعتنا ردت إلينا، وشيد بالمبلغ مسجدًا كان هو المقر الأول للإخوان المسلمين.
وأغرب الاتهامات تهمة تزييف الانتخابات ؟ فهل الدكتور سعد الدين إبراهيم حكومة ؟ فهذا النوع من الصنف هو ما تحتكره وزارة الداخلية التي تعلن نتائج الانتخابات من سنة 1952م حتى الآن، فاتهام مركز ابن خلدون إنما هو نوع من “رمتني بدائها والسلت”.
وقد قرأت بجريدة الحياة اللندنية ملخصًا للمسرحية التي وضعها الفنان علي سالم ولم أر في هذا الملخص إلا الدعوة الصادقة للمشاركة في العملية الانتخابية التي يأمر بها القانون وتحض عليها كل الأحزاب السياسية.
إننا مهما اختلفنا مع الدكتور سعد الدين إبراهيم فلا أحد أن ينكر أنه أستاذ جامعي، ومؤلف، وصاحب أبحاث، ورجل من رجال الخدمة العامة، وأنه أحد المبدعين والبناة الذين يبنون ويثرون.
وهذا ما يؤدى إلى الخاطرة الثالثة:
إن مبدأ المساواة في المعاملة القانونية مبدأ سليم يجب أن نحرص عليه، ومن نافلة القول أن هذا المبدأ يفقد قيمته إذا كانت المعاملة امتهانًا وانتهاكًا وتجاهلاً لأولي مبادئ الإنسانية والكرامة.
عندما يحدث هذا وهو حادث للأسف الشديد أفلا يجوز لنا حتى يتخلص الجميع من هذه الوصمة أن نطالب باستثناءات لبعض الأفراد لا لحسب ولا لجاه، ولكن لأنهم خدموا بلادهم وأثروا حياتها بأفكارهم وأعمالهم.
وقد يتدخل عامل ــ ككبر السن ــ فهل يمكن أن يعامل كهل في السبعين من عمره لا يقوى على تحمل وحشية المعاملة وخشونة الأوضاع، كشاب في الثلاثين قد يستطيع أن يقوى أو يصمد وهو عامل قد أقرت به القوانين الجنائية في بعض الحالات.
على أن أفضل ما يمكن نهتدي به في هذا المجال هو الإسلام لأنه يقدم توجيهات ثمينة، وأنه مع حرصه على معاقبة الشريف قبل الوضيع، فإنه يلاحظ اعتبارات ترتفق على الأصل دون أن تخل به.
من مبادئ الإسلام تقدير السابقة والفضل وما قام به إنسان من خير وما أسهم به في بناء مجتمعه وإذ كان هذا الفضل هو مبادرة في مناصرة الدعوة عندما تجهم لها الناس وعندما ضيقت عليها المسالك أو حتى حاربتها القوى المعادية، فإن هذا الفضل يصبح سابقة لها تقديرها الكبير، وقد تورط أحد الصحابة قبيل فتح مكة في عمل قد يراه البعض خيانة، ولما طالب عمر بن الخطاب الرسول أن يقتل الرجل، رد الرسول: “أليس قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال افعلوا ما شئتم”، ومع أن في هذا الحديث كلام فلا يخلو من معني، والثابت أن الرسول قد عفي عن حاطب بن أبي بلتعة.
وتخلف عن اللحاق برسول الله في غــزوة تبوك ثلاثة لا لعــذر أو ضرورة ولكن استسلامًا للضعف البشرى، وعندما عاد الرسول اعترف هؤلاء المتخلفون بتقصيرهم، وبعد أن أمر الرسول المسلمين بمقاطعتهم، عفي الله عنهم ونزلت فيهم آيات نيرة.
فمع أن الاستثناء الذي لوحظ في معاملة حاطب بن ابي بلتعة والثلاثة المتخلفين، قد لا يتفق تمامًا مع مبدأ المساواة، فإنه يتفق مع مبدأ العدل الذي يرتفق على المساواة، فليس من العدل أن يعامل رجل لم يجاهد ولم يضحي، كرجل جاهد وضحي، وليس من العدالة أن يعامل أستاذ جامعي جليل حامت حولـه بعض الشبهات، معاملة مسجل خطير، أو معتاد الإجرام.
والحرص على العدل وهو المثل الأعلى للإسلام والقاعدة التي تقوم كل العلاقات عليه يجعل الإسلام يحتسب الحسنات جنبا إلى جنب السيئات ومن هنا كان رمزه ميزانًا توضع في كفة الحسنات وفي الأخرى السيئات فإذا رجحت الأولي فاز ونجا وإلا سقط وعوقب.
من أجل هذا نقول إن المعاملة التي عومل بها الدكتور سعد الدين إبراهيم خلال القبض عليه وتفتيش منزله ثم سوقه للنيابة وحبسه هذا الحبس الطويل الذي نقطع أنه ليس مما تتطلبه ضرورة إتمام التحقيقات ثم ما خاضت به بعض هذه الصحف وقد حانت لها فرصة الشماتة الوضيعة كل هذا يخالف تمامًا أدب الإسلام حتى إن لم يكن الدكتور سعد الدين إبراهيم من أنصار الإسلام بوجه خاص، الأمـر الذي لا أجرؤ على القبول به، لأنه قد يكون عند الله أقرب من بعض الذين يدعون الإسلام.
لقد كان الرجل يستحق منا ما هو أفضل من ذلك، وقد يأتي يوم تعتذر جهات عديدة عما قدمت أو حتى فاخرت به وقد يدفع بعضها الثمن ومن عفي وأصلح فأجره على الله.
وأخيرًا فأود أن أختم هذا المقال بخاطرة قد تشفع جدتها وغرابتها في أن تكون الخاتمة، فالمعروف أن البوليس يراقب الجريمة والمجرمين، فعندما يعلم بمؤامرة فإنه يتابعها حتى يقبض على أصحابها متلبسين، أي وهم بصدد القيام بالخطوة الأخيرة في المؤامرات حتى يكون الاتهام ثابتًا فيحكم عليهم.
وعند إنعام النظر في هذه الطريقة يتضح أنها ليست هي الطريقة المثلى في حقيقة الحال فأولاً ما الذي يجعل البوليس يتقصى ويتجسس ويجرى تحريات.
الرد البديهي حماية الأمن العام وتلك هي مهمته، وهي مهمة لا يمارى أحد في قداستها، فليكن، ولكن هل حماية الأمن العام لا تقوم إلا بالتجسس والتصنت وبث العيون.. والخ.
ألا يعد هذا انتهاكًا أو تدخلاً في مبدأ من أقدس المبادئ التي قامت عليها المجتمعات الإنسانية، وهي الحرية وقداسة البيت، وسرية التصرفات الخاصة.
مثلا ما الذي يجعل البوليس يوقف شابًا أو فتاة تسير في منتصف الليل ويطالبه (أو يطالبها) بإثبات شخصيتهما، وقد يسوقه أو يسوقها إلى قسم البوليس.
عملية إفتئات لا شك على الحرية الشخصية.
ولكن ليس هذا هو المهم.
المهم أن أسلوب متابعة الجريمة وهي تنسج خيوطها حتى تصل إلى الخاتمة التي تبرر القبض، عملية ليس لها من مبرر إلا المنهج البوليسي التقليدي الذي وإن كان يقتصر على المتابعة في معظم الحالات، فإن الرغبة في استعجال النتيجة قد تدفع بأصحابه إلى إغراء المتهم بارتكاب الجريمة وإيقاعه في شباكها، أفلم يكن من الأفضل مثلاً التدخل للحيلولة دون إتمام الجريمة ؟ بدلاً من الانتظار حتى اللحظة الأخيرة لا شيء إلا القبض على المجرمين.
ثمة حديث معروف “أنصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا”، وفسر الحديث نصره الأخ الظالم بأن “تكفه عن الظلم”.
هنا مجتمع يترابط أعضاؤه برابطة الأخوة وتقوم بين هؤلاء الأعضاء جميعا حاسة من حواس التكامل والتعاون على الخير فما أن يبدأ أحد في الانحراف عن الطريق القويم حتى يجد من أخيه من يثنيه عن هذا الطريق ومن يوجهه وجهة الخير ولا يخطر ببالهم أبدًا أن يتركوه حتى يتم جرمه، وعندئذ يلقون القبض عليه ليلقي جزاءه، بل لعلهم يرون أنهم لو سلكوا هذا المسلك لكان هذا منهم مشاركة بنوع ما في الجريمة.
وهناك حديث “الدين النصيحة” لعامة الناس وخاصتهم وهناك التوجيه القرآني فذكر إن نفعت الذكرى.
فهذا المجتمع لا يترك الأفراد حتى يستولي عليهم شيطان الإثم والانحراف وإغراء الجريمة، إن أفرادًا آخرين يتصدون ناصحين مذكرين ويمكن لهم بذلك الحيلولة دون الجريمة، السؤال هو هل يمكن أنت تأخذ هذه المحاولة شكلاً منهجيًا منظمًا يلحق بالدولة (أو المجتمع) فتكون هناك هيئه باسم هيئة النصح والمكاشفة تلحق برئيس الحكومة وتبدأ عملها عندما تصل إلى جهات المراقبة والمتابعة أنباء شكوك وتساؤلات حول السياسات المتابعة لفرد أو هيئة وأنها لو صحت أو تركت لانحرفت عن الاستقامة أو جاوزت الخطوط الخضراء أو تجاوز المسموح به أو حتى أن تقع تحت طائلة القانون.
ويتصل هذا الجهاز من أجهزة المراقبة والمتابعة على اختلافه برئيس الدولة ليضع تحت يده مذكرة عن الموضوع فينتدب رئيس الحكومة إحدى الشخصيات العامة البارزة التي تظفر بالاحترام والتقدير من أعضاء هيئة النصح والمكاشفة، ليقوم بزيارات للشخص أو الهيئة ويقدم النصح بإعادة النظر، وأن السياسة المتبعة توشك أن تقع تحت طائلة القانون، وهو يقوم بهذه الزيارة بروح أخوية، وبعد استبعاد مظنة التدخل أو التطفل أو الاستعلاء ولكنه واجب النصيحة والمكاشفة والتذكير التي يأمر بها الإسلام ويعتبرها جزءًا من الواجب الاجتماعي العام.
أتصور وأكاد أجزم أنه لو أتبع هذا الأسلوب لحال دون تجاوز كثير من التصرفات خطوط الأمان أو على الأقل لحمل أصحابها على إعادة النظر، أفليس هذا أفضل من التربص والتجسس حتى يقبض على المتهم متلبسا فتوضع يديه في الحديد ويساق في عربة الترحيلات إلى الزنازين والسجون التي تمتلئ بالمتهمين ثم يساقون إلى المحاكم التي تنصب موازين العدالة ويصول فيها ويجول المحامون ثم ينتهي الأمر إما بالبراءة أو السجن مرة أخرى، وكان يمكن لهذا “المولد” من سجون ومحاكم وحراس وضباط وقضاه ومحامين أن يهبط إلى الحد الأدنى، وأن لا تقع الجريمة المحتملة بالفعل*.