Search
Close this search box.

قرانيون ومحمديون ايضا

قرآنيون.. ومحمديون أيضًا
ـــــــــــــــــ
تصور البعض أننا من كثرة دعوتنا إلى تنقية السُنة من الأحاديث الموضوعة، ومن نقدنا لجعل السند هو المعيار الأول في تكييف حالة الحديث، وهل هو صحيح أو ضعيف.. الخ، أقول إن البعض تصور أن جمال البنا من منكري السُنة، وانه من الذين يطلقون عليهم (القرآنيين)، بل جاء في بعض كتاباتهم أنه (زعيم القرآنيين في مصر) وغاب عنهم أنه مؤلف كتاب (الأصلان العظيمان.. الكتاب والسُنة)، وقد رأيت أن أوضح الموقف، فكتبت في مجلة (المجتمع المدني) التي يصدرها مركز بن خلدون، وكان يأوي عددًا من منكري السُنة مقالاً بعنوان (قرآنيون.. ومحمديون أيضًا)، ونقل موقع إليكتروني المقال، وفوجئت برد جاء بعنوان (قرآنيون فقط مع كل الاحترام للأستاذ جمال البنا) بتوقيع مستعار (الزياني القرآني)، فرددت عليه بخطاب (إلى الشيخ الزياني) مستفهمًا عن بعض ما جاء في مقال، ولكنه لم يرد، وفيما يلي هذه المساجلات.
أنه على كل حال سجال حضاري مهذب، لو بالنسبة لأهمية ما فيه من وقائع، رأينا أن ندرجه في هذه المجموعة الأولى من المختار.
ــ 1 ــ
قرآنيون.. ومحمديون أيضـًا
تعرضت السُنة النبوية منذ أن ظهرت لعواصف عاتية وظهر من الأيام الأولى مجموعات رفضتها أو تحفظت عليها لعل أولاها الخوارج الذين استبعدوا حد الرجم للزاني المحصن لأنه لم يرد في القرآن الكريم، وردوا رواية كل من شهد صفين، سواء من جيش على أو من جيش معاوية.
وقال واصل بن عطاء شيخ المعتزلة الأول “الحق يعرف من وجوه أربعة ــ كتاب ناطق ــ وخبر مجمع عليه ــ وحجه عقل ــ وإجماع الأمة”، ويفهم من هذا موقفه من الاستدلال بالحديث وهو أن يكون خبرا مجمعاً عليه.
أي ما أطلق عليه فيما بعد “المتواتر”، أما الأحاديث التي لم تبلغ درجة التواتر كأخبار الآحاد فهي مطروحة في نظره. وقد تابعه أقطاب المعتزلة من بعده كما ارتأت بعض الفرق الأخرى هذا الرأي ولربما تأثرت بالمعتزلة في هذه المسألة، وبذلك صار العمل بالخبر الواحد قضية خلافية بين أشهر الفرق العقدية وهما المعتزلة وأهل السُــنة.
وقد دعم اتجاه واصل رأيه في عدالة الصحابة بعد الفتنة الكبرى، فقد توقف في أمر الذين اشتركوا في واقعة الجمل وأمسك عن الحكم عليهم على وجه التعيين وقال: “قد علمنا أنهم ليسوا بمحقين جميعًا، وجائز أن تكون إحدى الطائفتين محقة والأخرى مبطلة، ولم يتبين لنا من المحق منهم ومن المبطل، فوكلنا أمر القوم إلى عالمه وتولينا القوم على أصل ما كانوا عليه قبل القتال فإذا اجتمعت الطائفتان قلنا “قد علمنا أن إحداكما عاصية لا ندري أيكما هي”.
وأمر الشيعة أفدح، فإنهم يستبعدون رواية جمهرة الصحابة وفى مقدمتهم السيدة عائشة وأبو هريرة وكل الأمويين ولا يعتمدون إلا على أحاديث أهل البيت ويكاد معظمها يروي من مصدر واحد هو جعفر الصادق.
ولكن هذه العواصف لم تقتلع السُنة، أو حتى توهنها، فالخط التقليدي لم يتوقف ورزق في الإمام الشافعي من دافع عن حديث الآحاد كما ظهر أحمد بن حنبل الذي يعد أكبر راو للحديث وتدعمت السُنة بفضل جهود هذين الإمامين رغم كل ما أهيل عليها من غبار أو أثير في وجهها من شبهات.
هذه مقدمة قد تكون لازمة لكي نفهم ظهور “القرآنيين” الذين يعتبرون القرآن المصدر الوحيد للإسلام، وأنه لا يجوز استنباط الأحكام من غيره حتى لو كان السُــنة.
وإذا أردنا أن نفصل في الدعوى ما بين “القرآنيين” و”السنيين” أي إتباع السُنة بطريقة موضوعية، ومحايدة، فإن النتيجة تكون مؤيدة لكل منهما.
فلا يمكن استبعاد السُنة تماماً كما يتصور القرآنيين.
وفى الوقت نفسه فإن السُنة لا يمكن أن تسامي القرآن الكريم أو أن تكون بمنزلته، فضلاً عن أن تكون “قاضية على الكتاب” كما ذهب إلى ذلك غلاة الرواة أو أن “الكتاب أحوج إلى السُنة، من السُنة إلى الكتاب” كما زعموا.
فالأمر المحقق أن القرآن الكريم قد أوكل إلى الرسول مهمة “تبيان” القرآن، والخلاف ما بين القرآنيين والسُنيين في هذه النقطة هي أن الأوليين يرون أن الرسول قد قام بهذا التبيان عمليا، فصلى، وتصدق، وصام بطريقة معينة، وشاهد المسلمون جميعاً ذلك وتابعوه عليه، فهذه هي السُنة العملية التي يتقبلها القرآنيون، ولا يمكن أن يتملصوا من الالتزام بها لأنها هي التي توضح كيف تؤدي الصلاة، وكيف تتفق الزكاة وكيف يصوم الناس.
أما السُنة القولية التي يرفضها القرآنيون فهي ما يتمسك بها ويشد بما يشد عليها بالنواجز “أهل السُنة والجماعة” أو “الجمهور” كما يقولون.
ونحن أول من يسلم مع القرآنيين أن السُنة القولية قد دخلها الوضع، وأن السند ليس هو الوسيلة المثلى لإثبات نسبة الحديث إلى رسول الله، بل يمكن الدفع أن لا يثبت بها حكم بعد أن أكد القرآن الكريم على ضرورة الكتابة بالنسبة لإثبات الحقوق ووضح ذلك وأكده في الآية 282 من سورة البقرة.
بل نحن معهم في أن هذا التشويه الذي لحق السُنة القولية كان من أكبر أسباب تخلف المسلمين وأنه أقحم في القوانين ما يخالف القرآن، وأن السُنة هي التي صاغت وصكت شخصية المسلم النمطي الذي يعكف على العبادة ويحرص على الشكليات.. الخ.
نحن نتفق معهم في كل هذا ولا يخالجنا شك في أن في “الصحيحين” مئات من الأحاديث نحن نتوقف عنها.
ولكن…
كل هذا لا يمنع من أن عدداً محدوداً من الأحاديث قد يكون بالمئات، قد خلص إلينا من خضم هذه المتاهة والقضية ليست قضية عدد، فرب حديث واحد يفضل ألف حديث، ولدينا بالفعل من هذه الأحاديث ما يحمل سمة النبوة وما يرسى أسساً ثمينة في القانون والاجتماع والأخلاق.
من يستطيع أن يقول مثل الرسول “لا ضرر ولا ضرار” أو “المسلمون عدول يسعى بذمتهم أدناهم” أو “أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد وإذا فسدت فسد الجسد إلا وهي القلب” أو “استفت قلبك وأن أفتوك وأن أفتوك” أو “لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته”، أو “الحكمة ضالة المؤمن ينشدها أنَّا وجدها”، إننا نجد عشرات، بل مئات، من مثل هذه الدرر في معانيها ومبانيها.
ومن ثم فلا يجوز أن نستبعد السُنة القولية، ولكن يمكن القول إننا نعمل لتنقيتها طبقاً لمعايير تستلهم من القرآن.
وهناك جانب آخر لا يقل أهمية.
أن الرسول لم يكن ليبين القرآن فحسب، ولكنه كان يعلمهم الحكمة.
وظن الشافعي أن المقصود بالحكمة هي السُنة، ولكن القرآن الكريم يستخدم الكلمة في مواضع يستبعد معها تماما أن تكون هي السُنة، فقد أوتى داوود الحكمة، وأوتي لقمان الحكمة، وأوتي النبيون الحكمة (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)، بل إن الرسول نفسه تحدث عن الحكمة بما يبعدها عن أن تكون السُنة عندما قال الحكمة ضالة المؤمن أنا وجدها فهو أحق بها.
الرسول لابد أن يكون في المعرفة أعلى من مستوى أكبر الفلاسفة حتى يمكن أن يعلم صحابته الحكمة، هذه الحكمة التي صنعت أبا بكر وعمر بن الخطاب وعلي بن أبى طالب وأبا عبيده وغيرهم من قادة المسلمين الذين رفعوا لواء الإسلام وفاقوا أعظم الساسة ورجال الدولة والدعاة.
وهو أيضاً لم يكن يعلمهم الحكمة بالكلام ولكن بالعمل وبأنه كان المثال المجسم لما يكون عليه النبي، والحكيم والمعلم.
وهذا عنصر هام لأنه يمثل القيادة ويضع أمام الناس النموذج لما يكون عليه الزوج، والأب، والجار والصديق، وما تتصف به خلائقه من صدق وإخلاص وإيثار وحب وشجاعة وكرم.. الخ.
يكفي فحسب أن نتصور ما كان يمكن أن يصل إليه المسلمون لو أن الساسة والزعماء والرؤساء اتخذوا من الرسول القدوة، والمثال الذي ينسجون على منواله ويسيرون في أثاره، ويلتزمون بما ألزم به نفسه من صدق وإخلاص وأمانة.. الخ، واستعلاء على الشهوات وعدم الفتنة بالمال أو الثراء أو النفوذ أو السلطة.
أخيراً، ففي نفس كل مسلم صادق الإسلام وشيجة قوية عاطفية تربطه بالرسول وتجعله المثل الأعلى وتجعلهم يحبونه أفضل مما يحبون أنفسهم ويستمدون من هذا الحب جذوة عاطفة ودفأ وشعاع نور وهداية.
لهذا كله لا يمكن أيها الأخوة أن تكون قرآنيين فحسب، بل يجب أن نكون قرآنيين، ومحمديين أيضًا.
* * *
ــ 2 ــ
قرآنيون فقط
مع كل الاحترام للأستاذ جمال البنا
الزيّاني القرآني(*)
(وردنا هذا النصّ المدهش، والقيّم، ردّاً على مقال الأستاذ جمال البّنا (قرآنيون.. ومحمديون أيضاً) المنشور في هذا الموقع، وقد نشرناه تحت توقيعٍ مستعار بناءً على طلب الكاتب، حيث أن بعض البلدان العربية، حتى مصر، “تحظر” القرآنيين، وتزجّ بهم في السجون ! ومجال الرد ّ، والنقاش، مفتوح طبعًا).
القرآنيون أو أهل القرآن لم يظهروا على مسرح الأحداث فجأة أو في العصر الحديث، كما قد يفهم من قولكم “ظهور القرآنيين”، بل كان وجودنا متواصل في المجتمع الإسلامي منذ اليوم الأول للإسلام، فيجب التفريق بين من يدعو اليوم للأخذ بالقرآن فقط نتيجة قرار شخصي توصل إليه بناء عن قناعة شخصية، وبين أهل القرآن الذين تلقوا المذهب عن مشايخ نقلوها عن من سبقهم من مشايخ وعلماء لأهل القرآن جيل بعد جيل، وأنا من تلك الفئة الأخيرة، فقد تلقيت علم المذهب القرآني على يد مشايخ أجلاء من أهل القرآن، توارثوا المذهب جيل بعد جيل من العلماء والمشايخ، وقد درست على أيدي أولئك المشايخ الأجلاء، في لقاء أسبوعي يدوم من ثلاث إلى أربع ساعات متواصلة لمده 52 أسبوع في العام، دون عطلة ولمدة أربعة أعوام بالإضافة إلى وجوب المتابعة والنظر في النصوص خلال باقي أيام الأسبوع، وقد أُجِزتُ، بضم الهمزة، من قبلهم في المشورة والاجتهاد واليوم بجانب عملي في حقل تخصصي التقني، فإنني أيضا أتولى تعليم المذهب القرآني لمجموعة صغيرة تزيد عن المائة بقليل من رجال ونساء، فضلا عن مشاركتي في التباحث وتبادل الآراء مع بعض علماء أهل القرآن، وتقوم زوجي أي زوجتي بلغة اليوم، بجانب عملها التقني في مجال تخصصها، بتعليم العديد من الفتيات و السيدات، أحكام المذهب القرآني، مما يسمح لي بالتعليق على مقالكم القيم.
إننا كقرآنيين، نرفض رفضا تاما الحديث النبوي، أيّ حديث، لأسباب لا مجال لذكرها هنا قد تسبب إحراجا للبعض وتوترا لا ضرورة له بيننا وبين أهل الحديث من السُنة والوهابية والشيعة والأباضية والصوفية وأهل الظاهر وغيرهم، ونحن لا نريد توترًا خاصة وإن بعض أهل الحديث يعد العنف مع من خالفهم أمراً مشروعًا، وقد تلقيت شخصيا تهديدات بالقتل على بريدي الإلكتروني، وما حدث مع الأسرة المصرية المسيحية في الولايات المتحدة ليس ببعيد، والتي ذبح جميع أفرادها بوحشية تقشعر لها الأبدان، فقط لأن الوالد كان يدخل في نقاشات ساخنة مع بعض أهل الحديث في “البالتوك”، وقد علمنا مشايخنا الأجلاء أن نخفي مذهبنا اتقاء للقمع الذي كان فيما مضى قمع السلطات الحاكمة، أما اليوم فإنه قمع مزدوج من السلطات التي تهادن الجماعات الأهلية المتطرفة، ومن المتطرفين، فـ”التقيّة” حلال بنص القرآن، وأنا شخصيًا أعلمها لتلامذتي من النشء القرآني، حتى يحفظوا على أنفسهم حياتهم.
كما لا أريد أن أحرج أحداً من القائمين على أمر هذا الموقع الرائع، لأن الحديث عن الحديث النبوي وأسباب رفضنا لـه على الإطلاق، أمر يدخل في صلب إسلام أهل الحديث، ورفضُهُ يهدم الجزء الأكبر من مذاهبهم.
على إن هذا لا يمنعني من أن أعلق على بعض النقاط في المقال، فقد ذكرتم في المقال رأي المعتزلة، ومع تقديرنا للمعتزلة فإننا لا نتفق معهم، و لسنا منهم وليسوا منا، كما إن الخوارج أو الشراة، ليسوا بأهل القرآن، بل إنهم من أهل الحديث أيضا وإن انبثقوا عن أهل القرآن وخرجوا منا، إلا إنهم انحرفوا عن جادة الصواب والحق ولزموا طريق الحديث وتبنوا العنف الذي يرفضه أهل القرآن تماما إلا أن يكون دفاعا عن حياة المرء فقط، ونقول فقط، فلا حروب مقدسة عندنا، فنحن أهلُ سلمٍ بناءً على نص القرآن، سواء كنا في حال ظهور أو حال التقية الأمر سيان لدينا، السلم السلم، وقد عشنا أكثر من ألف وأربعمائة عام دون أن نؤذي أحداً أو نسفك دماء مسلمٍ مخالف أو غير مسلم، لذا فإن الخوارج ليسوا حجة لدينا.
إننا نرفض الحديث والسيرة والتفاسير بل وعلم النحو والصرف السيباوي، ونأخذ فقط بظاهر النص القرآني دون اجتهاد أو تفسير باطني، ولا نتفق مع سيادتكم في الأخذ ببعض الحديث ورفض البعض الآخر، لأن قبول حديث واحد، هو كقبول الباقي، لان المعيار مطاط، فما قد تراه سيادتكم مرفوض مرذول، قد يراه غيركم حسن مقبول، إن قبول حديث واحد في رأي مذهبنا، هو كحصان طروادة، الذي سيجرنا إلى أن نصبح من أهل الحديث، وهو أمر لا نقبله مع احترامنا لهم، وهو ذات الأمر الذي حدث مع الخوارج أو الشراة عندما بدأوا في تبني أحاديث قليلة ثم توسعوا في الأمر حتى عُدّو عندنا من أهل الحديث وخرجوا عن صراط الحق.
كذلك فإننا نختلف معكم في قولكم، فلا يمكن استبعاد السُنة تماماً كما يتصورالقرآنييون، نقول بل يمكن، وقد عشنا أكثر من ألف وأربعمائة عام دونها، والقرآن في معتقدنا وافٍ وكامل بنص القرآن، والمجال لا يتسع لذكر النصوص الدالة على ذلك.
إننا نختلف عنكم يا أهل الحديث في كثير من الأمور، وسأذكر أمثلة: نحن نرفض الحجاب للمرأة، والمرأة مطالبة فقط بستر عضوها التناسلي، بشرط ألا تستخدم تلك الرخصة لإثارة الغرائز، ولنا في كيفية الحكم على إثارة الغرائز رأي لا مجال لذكره، ولا عورة للرجل على الإطلاق.
ونحن نرفض قطع يد السارق بنص القرآن، ولا يوجد زنا على الإطلاق، ولسنا كالبعض الذين يرون أن الجــلد هو العقاب القرآني للزنا، بل لا يوجد زنا في القرآن، ويحرم البعض من أهل القرآن الزواج بأكثر من زوجة، ويُحلُّ جميع أهل القرآن زواج المتعة، ونحل الوهب وملكية اليمين التي استفاض في شرحها أهل القرآن كوجهٍ من وجوه المعاشرة بين الرجل والمرأة وليس كنوع من العبودية، ولنا أراء في موضوع العدة، ورأي البعض من أهل القرآن أن لا تحريم للحم الخنزير والخمر، ورأي الجميع إن لا عقوبة على الجنس بين الذكور، ولا تحريم للتخنث ولا تحريم للمثلية الجنسية بين الإناث، وغير ذلك من الأمور التي تشغل الرأي العام هذه الأيام سواء في الشرق الأوسط أو أوروبا والولايات المتحدة، ويساوي بعض أهل القرآن بين المرآة والرجل في الميراث، ولا نرفض ولاية المرآة، ولا عقوبة لَتارِكِ الإسلام، ونرفض القول بأن غير المسلم ذِمّي، بل هو مواطن كامل له نفس حقوق المسلم دون انتقاص، كما عليه نفس واجباته في المجتمع المدني.
أما الصلاة فإن شرحها يطول، وهناك أمور كثيرة لا مجال لشرحها هنا سواء لأن الموقع ليس موقعاً دينياً، بل موقع تبادل للآراء المستنيرة، وأيضًا حتى لا نتعرض للهجوم أو القتل، لأن الكثير مما قلناه ومما لم نقله يخالف تماما أهل الحديث من سائر المذاهب.
مع العلم إن قرآننا هو قرآن أهل السنة من أهل الحديث وليس قرآناً مختلفاً، بل إن مصاحفنا التي نستخدمها في التعليم مطبوعة في المملكة السعودية.
إننا كقرآنيين ننظر للمستقبل بتفائل كبير، ونرى بأن المستقبل في الإسلام هو للمذهب القرآني، فبزيادة التعليم والاستنارة بين الأجيال الجديدة، يصبح المستقبل للقرآن، مثلما يحدث اليوم للبروتستانتية في أمريكا اللاتينية والتي يزداد اعتناقها مع انتشار الحرية والتعليم والتحسن الإقتصادي، وكان خطّا المنحنى بين الليبرالية والبروتستانتية متلازمان، والمذهب القرآني مشابه للبروتستانتية في تمسكه بالنص المقدس فقط دون تقاليد متوارثة أو قوانين شفوية، ولكن هو الأقدم، فالمستقبل لنا، وكما صمدنا أكثر من ألف وأربعمائة عام في طي الكتمان، فسوف نستمر إلى النهاية، ولكن في العلن، فالحرية بدأت تطرق أبواب الشرق الأوسط.
ــ 3 ــ
إلى الشيخ بوزيان
سلام عليكم.. لقد دهشت لقراءة تعليقكم على مقالي “قرآنيون ومحمديون أيضًا” لأن ما تضمنه من معلومات جديدة علىَّ تمامًا، فالقرآنيون في القاهرة كان البارز فيهم الدكتور صبحي منصور والدكتور مشتهري (ابن الشيخ مشتهري الذي كان رئيسًا للجمعية الشرعية)، وكل واحد منهم آوى إلى الظل بعد فترة من النشاط وليس لدي أي فكرة عن تنظيمكم.
أريد أن أؤكد لك إني أؤمن بحرية الفكر إلى آخر مدى “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، كما قال القرآن وإني لا أعتبر الخلاف في الرأي سببًا في عداء، بل أرى أن الاختلاف ضروري وأن الله تعالى لو شاء لجعل الناس أمة واحدة، بل أرى أن التناقض نفسه لا يكون دائمًا النفي، وقد يكون وجهًا آخر لعملة واحدة ولك أن تستأنس بقول الله “وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ” (سبأ: 24).
وأنا أتفق معكم في نقاط عديدة منكم في نقاط أكثر عددًا، فمن النقاط التي أتفق معكم فيها الأخذ فقط بظاهر النص القرآني دون اجتهاد أو تفسير، وقد رفضنا كل ما تقدم من تفسير للقرآن الكريم من ابن عباس حتى سـيد قطب باعتباره إفتياتًا على القرآن وإسقاطًا بشريًا عليه، ولأن القرآن يفسر نفسه بنفسه ويعطي أثره بالانطباع.
أنا أتفق معكم في استبعاد الحجاب، وكذلك في استبعاد الحرب”الجهادية المقدسة” كائنًا ما أطلقوا عليها، والحرب في الإسلام كما يقدمها القرآن هي دفاع عن حرية الاعتقاد والحيلولة دون فتنة المؤمنين عن دينهم، كما نرى أن المبرر الوحيد للقتل هو القتل العمد.
ونحن نستبعد رجم الزاني المحصن، كما أن القرآن والسُنة لم يقرروا عقوبة على الشذوذ الجنسي، وتركا ذلك للمجتمع، فقال فيه الفقهاء ما قالوا.
وقد دخلنا في معركة مع شيوخ الأزهر لأن بعضهم أفتى “بسجن” تارك الصلاة، وقلنا إن القرآن والرسول لم يقرروا عقوبة دنيوية على ترك الصلاة، ولا تزال رحاها دائرة.
ونحن معكم أيضًا في أن غير المسلم لا يُعد في هذا الزمن “ذميًّا”، ولكن مواطنًا لـه كامل حقوق المواطنة التي تنبثق من أن “المواطنة” إنما تنشأ عن اتخاذ الوطن أو الموطن، فكل من عاش على أرض هذا الوطن فهو “مواطن” دون أي تفرقة.
وأنا في الآراء أعتمد على القرآن، ولكني لا اعرف تخريجكم لرفض قطع يد السارق أو عدم وجود زنا، وهناك نصوص صريحة على ذلك في القرآن، يا حبذا لو أفدتموني في هذه النقطة.
وأنا وإن لم أنكر السُنة، فلست بعيدًا عنكم لأني في خضم التمييز بين الحديث الصحيح وغيره وضعت 12 ضابطًا مستمدة من القرآن، فما يتفق منها مع القرآن يمكن أن يكون منسوبًا إلى الرسول، أما إذا اختلفت فلا يُعد ملزمًا، وعلى هذا الأساس استبعدت حديث “من بدل دينه فاقتلوه” (عن عكرمة وجاء في البخاري)، ورفضت أي حد على الردة أو الاختلاف في الاجتهاد.
وأخيرًا فإننا نذهب إلى أن السُنة ليس لها تأبيد القرآن، وأنها تستمر ما اتفقت مع التطور والمصلحة والعدل، فإذا تخلف عدل عنها وعدنا إلى القرآن.
ولا أعطي نفسي حق اقتراح لكم يتعلق بمعتقداتكم، ولكني أعتقد أنكم لو سلكتم مثلنا لكنتم أدنى إلى النجاح وإلى تحقيق الخير من الأسلوب الذي اتخذتموه، لأن ما سلكناه يحقق تقريبًا معظم ما انتهيتم إليه دون الدخول في معركة ستبدد فيها الجهود وجعلتكم تعيشون لألف عام كما تقول في سرية.
وهناك ناحية أخرى أشرت إليها في مقالي، هي التفرقة بين الرسول وبين السُنة، فدور الرسول أعظم من السُنة.
ويا حبذا لو قرأتم كتابي “السُنة ودورها في الفقه الجديد”، وهو الجزء الثاني من “نحو فقه جديد”.
وأتمنى لكم التوفيق،،،،