Search
Close this search box.

3 – تجديد الخطاب الديني

عرفت البشرية الدين من فجر تاريخها، وإذا كان تاريخها المعروف يعود إلى عشرة آلاف عام، فإن البشرية قد أمضت سبعة آلاف عام منها في ديانة وثنية تختلط بالخرافة فقدماء المصريين عبدوا الشمس والنيل والحيوانات واليونان والرومان عبدوا آلهة اخترعوها واسكنوها جبلاً خرافياً “الأولمب” والهنود والصينيون والفارسيون عبدوا الخير والشر النار والنور.. الخ.
ولم تتحرر البشرية من عبادة الوثنية وخرافاتها إلا في قرونها الأخيرة، أي منذ ثلاث آلاف سنة بدفع اليهودية فالمسيحية فالإسلام، ودخلت هذه الديانات في صراع عنيف مع الديانات السابقة عليها، ليس فحسب لأن هذه الديانات كانت ديانات الحكام والملوك “كان من حق مجلس الشيوخ في روما تعيين القياصرة الذين يرفعون إلى مستوى الألوهية”، ولكن لأن الجماهير قد تشربت الوثنية وخرافاتها وأساطيرها بحيث أصبح من العســير عليها أن تؤمن بالأديـان السماوية، وتأمل تعجب العرب من الرسول الذي يريد أن يجعل الآلهة إلها واحداً “إن هذا لشيء عجاب”.
ومراجعة كفاح هذه الأديان يثبت ذلك فتاريخ بنى إسرائيل حافل بمراجعة شعب بنى إسرائيل لموسى نفسه، وتمنيهم العودة إلى مصر بخيراتها وعبادتهم العجل الذي كان المصريون يعبدونه ثم بعد ذلك لا يكاد يمر عقد من السنين دون أن “يقع الشعب في الخطيئة” ويخالف الناموس فيحل عليه غضب الله ثم يتوب الشعب فيتوب الله عليه، أما المسيحية فقد دخلت في حرب مع اليهود لأنها جاءت لهداية خرافهم الضالة، وعندما توصل زعماؤهم للحكم على المسيح بالصلب ذكرهم الحاكم الروماني بأن من حقه أن يعفو عن أحد المحكوم عليهم، وكان منهم لص يدعى بارباس فخيرهم فيمن يعفو عنه فقالوا جميعًا، وبصوت واحد “بارباس!”، ثم دخلت فى صراع عنيف مع الوثنية اليونانية/ الرومانية التى كانت مزدهرة فى الإسكندرية، وكان أبرز مظاهرها اغتيال هيباثا اغتيالاً مروعًا، ثم لما دخلت الإمبراطورية الرومانية المسيحية، تصادمت المذاهب المختلفة فيها – وقد كان منها مذهب الأقباط المصريين الذين تعرضوا لاضطهاد البيزنطيين اضطهاداً لم يخلصهم منه إلا الفتح العربى، وأخيرًا فقد كان عليهم أن يدخلوا فى صراع مع بقايا المؤمنين بالديانة المصرية القديمة، رغم ما يقال من تأثر المسيحية المصرية بالتثليث الذى وجد فى الديانة المصرية، وأخذ أبرز صوره فى عهد البطالمة، أما الإسلام نفسه وهو أبسط الأديان وأبعدها عن اللاهوت فقد شن عليه المشركون العرب حربا شعواء امتدت من أشخاص الذين آمنوا حتى كادت تلحق بالرسول نفسه عندما تأمروا على قتله، وفوت عليهم الرسول ذلك بهجرته إلى المدينة.
وحتى عندما آمن المسلمون فإن كثيراً منهم لم يتقبلوا يسر الإسلام وقال القرآن عن الرسول: ( لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَمْـرِ لَعَنِتُّمْ (، وعندما مروا بشجرة “ذات أنواط” كان المشركون يعلقون عليها مقدساتهم سألوا الرسول أن يجعل لهم “ذات أنواط” وكانت تلك هي المناسبة التي قال فيها الرسول “لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه” وقبل أن يتوفى بالفعل، وعندما عرف نبأ مرض الرسول أرتد كثير من العرب، ولولا وقفة أبى بكر الحاسمة، الحازمة، لخسر الإسلام معظم العرب.
ما يهمنا من هذا العرض التاريخي هو أن طول عشرة البشرية للوثنية، وجدة عهدها “النسبي” بالأديان السماوية جعل رواسب الوثنية تتغلغل في نفوس الجماهير لتسقطها بعد ذلك على الأديان السماوية.. ومن ابرز هذه الرواسب السحر والجان والخرافة والكرامات والتقديس والفكرة الشمولية للدين وأنه يغطى مجالات الحياة وإسقاط الصورة البشرية على “الله” تعالى لتكون أحكامه كما يتصورون.. الخ، وتم هذا بطريقة تدريجية، ولا شعورية بحيث أصبحت جزءاً من بنية الدين، ولم يعد سهلاً التفريق بين الدين الحق وبين ما ادمج فيه من رواسب وثنية.
لقد دخل المسلمون الإسلام وهذه الرواسب موجودة وساعد عليها العامل الذي سنشير إليه في النبذة الثانية، إلا وهو سرعة انتشار الإسلام وإقبال الفارسيين واليونانيين والهنود والترك على الإيمان به، ولدى هؤلاء رواسب عديدة جداً أدت إلى تحويل الآراء الفقهية والنظرة الدينية عما أراده الإسلام.
إن هذه الحقيقة تجعل من الضروري لكي نتوصل إلى ــ تجديد الخطاب الإسلامي ــ أن نتوصل أولاً إلى التمييز ما بين رسالة الإسلام التي أريد بها إنقاذ البشرية من الوثنية، وما بين الجذور والرواسب الوثنية المتغلغلة في فهم البشرية للدين، وأقحمت في الإسلام.
ــ 2 ــ
كان العامل الرئيسي الذي تحكم في الإسلام وانعكس أثره عليه هو السرعة التي تمت بها “أسلمه” المجتمع، فلم تزد سنوات الدعوة على يدي الرسول عن 23 عاماً استكمل فيها القرآن وفتحت الأنحاء القاصية للجزيرة العربية ثم امتد الزحف الإسلامي في سرعة لم تسبق (باستثناء حالة الإسكندر المقدوني والقياس عليها لا يستقيم تماماً) فخلال ثمانين سنة كان الإسلام قد بلغ حدود أوربا، وحاصر المسلمون القسطنطينية وفتحوا فارس والهند والأفغان ومصر وشمال أفريقيا.
أدت هذه السرعة الكاسحة إلى واقعة لم يكن منها مفر، وإن لم يمنحها المؤرخون الأهمية التي تستحقها تلك هي أن هذه المناطق المفتوحة لم تستوعب الإسلام تماماً لثلاثة أسباب:
أولاً: قصر مده الدعوة النبوية. وأن إسلام كثير من العرب جاء في السنوات الثلاث الأخيرة لحياة الرسول، فلم يستوعبوا قيم الإسلام، وحال قصر المدة دون قهر التقاليد القديمة المتأصلة فيهم، ومن هنا فإنهم لم يكد يسمعوا بوفاة الرسول حتى أرتد معظم العرب ولم تحتفظ بإسلامها سوى مكة والمدينة، وكان دور أبى بكر وطريقة تعامله مع المرتدين عاملاً حاسماً أعاد الجزيرة العربية إلى الإسلام.
العامل الثاني: أن الزحف الإسلامي امتد إلى بلاد ذات حضارات عريقة لها نظم إدارية وسياسية وفلسفات تختلف عن الإسلام. وقد آمن معظم أهل هذه البلاد لسماحة الإسلام، ولأن الإيمان بالإسلام كان يمنحهم كل حقوق المسلم دون تفرقة، وأن هذا أيضاً كان يخلصهم من الجزية، والحقيقة أن “الموالى” كما كان يطلق عليهم لم يدخلوا في الإسلام أفواجاً لهذه الأسباب فحسب، بل كذلك لأن التضلع في العلوم الإسلامية هو باب الصدارة المفتوح لهم، وكانوا أكثر تعرفاً من العرب على جوانب عديدة من الحضارة لذلك لم يلبث في خلال القرون الثلاثة للهجرة أن أصبحت الأغلبية من الفقهاء والمحدثين والمفسرين من الموالى، بل لم تقف عجمتهم عائقاً عن اقتحام اللغة العربية، فوجد من علمائها من لا يستطيع نطق الراء أو الحاء، ومع ذلك نبغوا في علوم العربية وكان إمام أئمة اللغة سيبوبه وهو من الموالى، بل كان أحد أصحاب القراءات المعروفة من أصل قبطي.
ومع إخلاص هؤلاء الموالى في خدمة الثقافة الإسلامية فإنهم حملوا إليها سواء كانوا واعين أو غير واعين، رواسب ومزاج حضاراتهم القديمة التي توارثوها كما توارثوا الدم واللون.. الخ، وحدث “إسقاط” يكون أحيانا لا شعورياً على الثقافة الإسلامية، كما يأخذ أحيانا أخرى شكل “الإسرائيليات” والأساطير التي ملأت كتب التفسير وفى أصول الفقه ظهر بوضوح التأثر بالمنطق الأرسطي حتى قال الغزالي إن من لا يعلمه لا يوثق بكلامه أصلاً، وظهر لاهوت إسلامي في شكل علم الكلام يبعد كل البعد عن منهج القرآن.
العامل الثالث: صاحب هذا التوسع هجوم سريع على الخلافة وتقاليد الحكم النبوى وحولت إلى مُلك عضوض على يدي معاوية سنة 40 هجرية، ويمكن القول إن الخلافة الراشدة انتهت مع طعن عمر بن الخطاب وأن عثمان بن عفان تأثر بالرواسب الأموية وخالف سنة الشيخين، ولما حاول على بن أبى طالب إعادة الأمر إلى ما كان عليه استحال ذلك، وكان يجب أن يُقتل دون صاحبيه لأنه أراد أن يقف فى سبيل التطور.
وتقضى طبائع الأشياء بأنه ما أن يظهر دين جديد يختلف بالطبع عن الدين القديم حتى يظهر له من سدنة الدين القديم والمؤمنين به أعداء يعملون للكيد لهذا الدين الجديد بكل الوسائل ومنها إلصاق أحكام أو نصوص ليست منه، ولا يجوز أن ننسى حقد الفرس على عمر بن الخطاب الذي كان السبب في اغتياله، فما يظن عاقل أن يقتل لخلاف على دراهم، وقد ظهر أمثال هؤلاء للإسلام في سنواته الأولى، وتحدث القرآن الكريم عن الذين قالوا (آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِــــــرَهُ(، (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون ({72 آل عمران} وقال (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ( {26 فصلت}.
وقد يجوز لنا أن نتساءل كم طفل من أطفال يهود بنى قريظة الذين قتلوا لم يكن قد بلغ الحلم، وعاش بين المسلمين وكم امرأة منهم سبيت ودخلت البيت المسلم، ولعلها قد ولدت وربت وليدها على بغض الإسلام، وليس هذا إلا حالة واحدة من حالات الكيد للإسلام بمجرد ظهوره.
وعندما نعلم أن اليهود، وبالذات يهود بنى قريظة حاولوا التأثير على عمر بن الخطاب فستكون لدينا فكرة عن مدى ما حاولوه إذ دفع أحدهم إليه بصحيفة من أخبارهم يقرأها، وقَبِل ذلك عمر بن الخطاب بدافع الفضول والتعرف على فكرهم وعندما ذكر ذلك للرسول غضب غضباً شديداً، ونهى عمر عن ذلك وقال:”أمتهوكون فيها يا بن الخطاب ؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شئ فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني”.
وفى موقعة اليرموك ضم الصحابي الجليل والمحدث الدقيق والذي يعد من أوثق الرواة في الحديث عبد الله بن عمرو بن العاص حمل زاملتين (ناقتين) من أحاديث أهل الكتاب، ولسنا نعلم على وجه التحقيق هل اختلطت هذه الأحاديث بأحاديث صحيفته القديمة التي كان يسميها الصادقة أم لا ؟ ولكن السيدة عائشة عندما علمت بذلك تطرق إليها الشك، ولم تعد تأخذ حديثه مأخذ التسليم.
فإذا كان أمثال عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص وكل واحد منهما إمام في بابه، كان هدفًا عمل بعض اليهود للتأثير عليه، فما بالنا بالباقي.
ونحن نؤمن أن كعب الأحبار ووهب بن منبه وابن جريج، وفيما بعد ابن سبأ قد أضافوا إلى الحديث وقدموا من التفسيرات ما يعد مناقضاً للإسلام وجاز هذا حتى على مثل أبى هريرة الذي روى عن كعب الأحبار، كما أن معاوية نصب منبراً في مسجد دمشق ليقدم كعب الأحبار “الرقاق” وحشوها أكاذيب.
نرى أثر هذه العوامل في جميع جوانب المجتمع الإسلامي في السياسة وفى الفقه، وفى الحديث، وفى التفسير، بل في العادات الاجتماعية التي كان أبرزها حجب المرأة وإقصائها عن المجتمع كما كان الحال في فارس القديمة وفى أثينا، وإعمالاً لرأى أرسطو في دونية المرأة، وإذا كانت أراء أرسطو اخترقت أصول الفقه فهل تعجز عن اختراق آداب المجتمع.
* * *
بالإضافة إلى هذه العوامل الخاصة بالملابسات التي اكتنفت ظهور وانتشار الإسلام، فيجب أن لا ننسى أن وسائل البحث ومعدات الدرس كانت محدودة للغاية قبل ظهور المطبعة، وتيسير وسائل الاتصال، وكان على المحِّدث أن يسافر من المدينة إلى دمشق أو الفسطاط بحثاً عن حديث. ومع أن علماء الإسلام تغلبوا إلى حد ما على هذه الصعوبات بحكم إيمانهم العميق، ولأن العالم الإسلامي كان متفتحا أمام كل سكانه، وأن الحج كان باباً مفتوحاً قدر ما كان ملتقى دوليا فتظل الحقائق تفرض نفسها فإيمان العلماء الإسلاميين مكنهم من تدبيج عشرات الألوف من المجلدات الضخمة فى التفسير والحديث والفقه وبقية العلوم وبقدر جسامة ما وصل إلينا إلا أن ما لم يصل ربما يكون أكبر فقد أتت جائحة المغول لبغداد والأسبان للأندلس على جانب كبير من المراجع الإسلامية، وقيل إن مياه دجلة اسودت من حبر الكتب التي قذفت إليها بها ومع هذا فإن مكتبات الأسكوربال وليدن وغيرها تظفر بمراجع لم تنشر حتى الآن.
وهذه الحقيقة توضح لنا كيف كافح العلماء المسلمون الأوائل، وكيف حاولوا التغلب على صعوبات قلة معدات البحث وصعوبة المواصلات بحيث يمكن القول إنهم كانوا ــ بلا جدال ــ أفضل العلماء الذين ظهروا في زمانهم، وكانوا يسبقون بمراحل العلماء في العالم الأوربي، لكن هذا لا يمنع من أن جهدهم العظيم ما كان يمكن أن يخلص من المؤثرات الضرورية القاهرة التي تكلمنا عنها كما أنهم كانوا أبناء عصرهم وكان عصراً مظلما مغلقاً وما كانوا يستطيعون التحرر منه فانعكست طبيعته على أحكامهم، وأخيراً فإنهم وقفوا في الوقت الذي كان علماء أوربا يبدأون التقدم.
وهذه ملاحظة هامة لأنها تنصف علماءنا الأوائل وأنهم بذلوا غاية جهدهم، ولكن ما كان يمكن أن يتحرروا من روح عصرهم، فالذنب في الحقيقة هو العصر الذي عاشوا فيه، وما أشرنا إليه من عوامل اكتنفت هذا العصر، وأشرنا إليها، أعنى (فساد النظام السياسي) ثم تأثر الموالى والجماهير الإسلامية برواسب الحضارات القديمة يونانية – فارسية – هندية – ثم تركية. خاصة بعد تغلب عناصر لا تكاد تفهم العربية – ومن لا يفهم العربية لا يفهم القرآن. ومن لا يفهم القرآن لا يأخذ الصورة الحقيقية للإسلام وأخيراً تقلص دور جزيرة العرب التي كان يمكن أن يكون أهلها سدنة وحرساً للإسلام منذ تحولت الخلافة إلى مُلك عضوض سنة 40 هـ حتى إلغاء مصطفى كمال للخلافة سنة 1924.
* * *
وكانت النتيجة الأخيرة أن التراث الإسلامي – وبالذات في مجالات المعرفة الإسلامية الرئيسية: التفسير – الحديث – الفقه، خضع لعوامل بعيده كل البعد عن روح القرآن وظهرت القضية التي هي أهم القضايا فيما نحن بصدده. إلا وهى إن الإسلام الذي يتعبد به المسلمون اليوم ليس هو إسلام القــرآن والرسول، ولكنه إسلام الفقهاء، والمحدثين والمفسرين الذين وضعوه خلال ألف وأربعمائة عام، وأن هذا الإسلام يختلف عن إسلام القرآن وقد أوضحنا ذلك بالأدلة العملية في فصل “ثلاث مستويات لمرجعية الفقه” في الجزء الثالث من كتابنا نحو فقه جديد، إذ قارنا نصوص القرآن في خمسة مواضع هـي: (1) الإيمان بالله. (2) حرية الاعتقاد. (3) المرأة. (4) العدل. (5) الرقيق بالأحكام التي أصدرها الفقهاء فظهر الفرق شاسعاً، قد يصل إلى التناقض فبينما يقول القرآن: (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر(، (لا إكراه في الدين(، يروى لنا الفقهاء حديثاً “من بدل دينه فاقتلوه” ثم لا يقفوا عند هذا بل يبدعوا صيغة “من جحد معلوماً من الدين بالضرورة يعد كافراً” وبينما يقول القرآن عن المرأة: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِن درجة(، (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْـنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْــلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا( {32 النساء}، (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( {97 النحل}، يقول الفقهاء “المرأة عورة” “ناقصات عقل ودين” “لا أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.. الخ، وهى كلها أحاديث ضعيفة أو لها ظرف خاص.. الخ، وبينما يقيم القرآن الدليل على وجود الله بالخلق وأن هذا الكون لابد له من خالق ويستخدم منطقاً يقوم على البديهة “أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون” يأتي الفقهاء بشقشقة من آثار اليونان ويتفرغون لقضايا مثل الصفات وغيرها.. الخ، وبينما يكون العدل هو طابع الإسلام في القرآن ويكاد يكون بصمته فإننا نجده باهتا في كتب الفقه، وبينما يقول القرآن عن الرق “فإما منا بعد، وإما فداء” فإن الفقهاء يقررون أن الرق شرعة خالدة إلى يوم القيامة ويظهر فيهم من يرى أن استرقاق غير المسلم أفضل من عتقه لأن هذا يتيح له فرصة الإطلاع على فضائل المسلمين! وقد يدفعه للإسلام ولا يتسع مجال الورقة لتعداد الفروق وقد عالجنا الموضوع في عشرين صفحة من كتاب “نحو فقه جديد” الجزء الثالث.
ــ 3 ــ
تلقت الأجيال الحديثة التراث القديم كأنه قضاؤها وقدرها.
وعكف العلماء المحدثون على التراث القديم ينبشون فيه فيكشفون خافيه، ويفسرون مبهمه ويعلقون الشرح على المتن والحاشية على الشرح.. الخ، ويصدرون الأحكام تبعا له، وكان هذا في الحقيقة هو أكبر أسباب تخلف المسلمين ويكاد يكون هو الرد الأول على السؤال الخالد “لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم” لأن هذا التراث لا يمثل الإسلام نفسه، لا يمثل القرآن ولا يتطابق مع عمل وقول الرسول ولكنه فهم هؤلاء الأئمة في ظل عهود مغلقه، جاهلة، مظلمة ووسط صعوبات لا حصر لها، وأن هؤلاء العلماء على نبوغهم وإخلاصهم – ليسوا ملائكة معصومة – وبالتالي فإن الأحكام المستخلصة من مقدماتهم أحكام خاطئة، وبالتالي يبدأ التخلف، فمن الواضح أنه إذا كان الفقه يأمر بطاعة الحاكم “وإن أخذ مالك وجلد ظهركم” ويأمر بحبس النساء في البيوت وتحريم اختلاطهن بالرجال وأن لا يتعلمن الاقصار السور للصلاة بها، وإذا كان هذا الفقه يوثن الصلاة ويهمل الزكاة، ويحصر العلم فيما تجب العبادة به. ويوجب التقليد فلابد من التأخر.
المشروع الذي نتقدم به، ولا نرى في الحقيقة سواه، إذا أردنا النهضة بالإسلام فى منتهى البساطة والمعقولية والالتزام – هذا المشروع هو العودة إلى القرآن الكريم مباشرة، دون تقيد بتفسيرات المفسرين، وضبط السُنة بمعايير من القرآن إذ ثبت أن السند لا يمكن أن يكون معياراً لأنه جزء من عملية الوضع التي فشت في الحديث فلم يبق إلا الاحتكام إلى القرآن. ولما كانت السُنة مبينة للقرآن، فمن البديهي أنها تلتزم بالقرآن، وأخيراً عدم الالتزام بالأحكام الفقهية التي وضعها أئمة المذاهب الأربعة أو غيرهم.
إن ما نراه ليس تجديداً، بل هو عودة إلى الأصول، عودة إلى المنابع، هو تطبيق للمقولة “لا يصلح آخر أمر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها” وقد صلح أولها بالقرآن وبالرسول.. فما نقترحه هو اكثر الحلول “رجعية” إذا جاز التعبير..
إن هذا الحل سيحررنا من كل أحكام التراث التي كانت من أكبر أسباب تخلف المسلمين وسيعيدنا إلى القرآن وهو أصلاً كتاب هداية وتحرير وإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
لقد جاوزنا بالفعل فيما ذهبنا إليه من دائرة القول والمطالبة إلى دائرة العمل والتطبيق، في عدد من الكتب أبرزها نحو فقه جديد. وعندما حققنا هذا توصلنا إلى النتائج الآتية التي تجد البرهان عليها في كتب “دعوة الإحياء الإسلامي” التي جعلنا لكل موضوع من الموضوعات التالية كتاباً خاصاً.
لقد وجدنا:
القرآن الكريم يفتح باب حرية الفكر والاعتقاد على مصراعيه، بل ويجعلها أمراً خاصاً بالفرد لا دخل للنظام العام فيه أنظر كتاب “الإسلام وحرية الفكر”.
القرآن الكريم يحقق وحدة الجنس البشرى ويقضى بالمساواة بين الناس جميعاً سواء كانوا بيضاً أو سوداً، أغنياء أو فقراء، رجالاً أو نساءً، وعلى اختلاف مذاهبهم لأنهم هم “أبناء وبنات آدم” ويوجب التقارب بينهم ولا يجعل التفاضل إلا للتقوى أي للعمل والخلق (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( {13 الحجرات}.
الإسلام كرم الإنسان والجنس البشرى عندما جعله خليفة الله على الأرض بعد أن خلقه في أحسن تقويم ووهبه السمع والبصر والعقل والقلب، ورفض العصبية وتفضيل جنس على جنس. أنظر كتاب “منهج الإسلام في تقرير حقوق الإنسان”.
الرسول كرم الجسم الإنساني بالحماية بعد أن كرم الضمير والفكر بالحرية، فحرم كافة التعذيب أو سوء المعاملة وجعل عقوبة من يصفع عبده أن يحرره.
الإسلام وضع مبدأ القضاء على الرق بصورة صريحة ليس فيها لبس عندما حصره في أسرى القتال مع المشركين وجعل مصير هؤلاء الأسرى “فإما منا بعد، وإما فداء” كما قال القرآن الكريم وكما طبقه الرسول في أسرى غزوة بدر وهوازن، فإذا كان المسلمون لم يطبقوه فهذا ذنب المسلمين، أو ذنب فقهائهم أو ذنب التطور الذي حال دون تحرير الرقيق حتى ظهرت الآلة وليس ذنب الإسلام.
الإسلام يقر التعددية لأنه عندما جعل التوحيد صفة لله، فإن ذلك يستتبع التعددية فيما عداه، وتوحيد ما عداه يكون شركاً ومن هنا فقد تقبل القرآن تعددية الأديان. وتعددية الرسل وتحدث عن رسل لم يقصص علينا خبرهم، وتحدث عن الأنبياء جميعا كأخوة. أنظر كتاب “التعددية في مجتمع إسلامي”.
أوجب الإسلام القتال عندما يُراد فتنة المسلمين عند دينهم، فعندئذ يجب عليهم القتال، ويكون القتال عندئذِ دفاعياً، ويعد دفاعاً عن حرية العقيدة، وهذا هو تبرير كل الآيات التي أوجبت القتال “لكي لا تكون فتنة” وإذا كان إخواننا الأقباط يقولون الدين لله، فقد قالها القرآن قبلهم “ليكون الدين كله لله”.
أما الذين لا يدينون بدين الإسلام، ولكنهم لا يحاربون المسلمين فهؤلاء أوجب القرآن البر بهم والعدل معهم (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ( {8 الممتحنة}، وهذه الآية هي الحاكمة في الموضوع لأن كل ما جاء في القرآن الكريم من قتال إنما هو لدفع الفتنة، فإذا لم يكن هناك فتنة، فلا قتال ولكن بر وقسط. انظر كتاب “الجهاد”.
حرر القرآن المرأة وجعلها كالرجل سواء وأن استثنى درجة وأعتقد أن النساء في أمريكا وبريطانيا وسويسراً يتمنين أن تكون الفروق بينهن وبين الرجال درجة وأثنى على ملكة سبأ.
أما الحجاب فقد فرض على الإسلام ولم يفرضه الإسلام وقد أجازه بالنسبة لزوجات الرسول باعتباره بابًا أو ستارًا بينهن وبين الناس تكريماً لهن، أما بالنسبة لعامة النساء فلا حجاب، ولكن لا خلاعة ولا تبرج يجعل عنصر الأنوثة في النساء يطغى على عنصر الإنسان فيهن، وكيف يتحجبن وقد كان النساء يتوضأن مع الرجال في وقت واحد من مجرى واحد، كما جاء في البخاري.
انظر كتاب “الحجاب وكتاب المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد الفقهاء”
أثبت البحث الدقيق في أصول الإسلام أن الإسلام شيء، والدولة شيء آخر، وأن الإسلام لم يرد للأنبياء أن يكونوا ملوكاً أو مؤسسي دول وإنما أرادهم دعاة دورهم التبليغ وجردهم من كل سلطة حتى أن يكون أحدهم “وكيلاً” وأن تجربة دولة المدينة لم تكن تطبيقا أو إعمالاً لأصول في العقيدة ولكنها كانت استجابة لتطور الأحداث، ومع هذا فإن دولة المدينة التي حكمها الرسول والخلفاء الراشدين لا يمكن أن تعد نموذجاً يعمل المسلمون لاستعادته لأن دولة المدينة لم تستكمل كل مقومات الدولة، فلم يكن لها جيش محترف، ولا سجون، ولم تفرض ضرائب ولم تكن سلطة قمع وهذه هي خصائص الدولة، كما كان على رأسها نبي يوحي إليه وهذه تميزها عن الدولة بالاصطلاح المعروف أما دولة الخلفاء الراشدين التي انتهت بطعن عمر بن الخطاب فكانت سيراً في أذيال دوله المدينة وتطلبها سياق الأحداث، “راجع سقيفة بنى ساعده” فلا يمكن القياس عليها.
وأوضحنا أن القرآن والتاريخ يثبتان أن السلطة مفسدة، وأنها إذا دخلت مجال العقيدة أفسدتها كما حدث عندما تحولت الخلافة الراشدة على يدي معاوية إلى مُلك عضوض، وفى كتابنا “الإسلام دين وأمة وليس ديناً ودولة” أثبتنا أن السلطة أفسدت الإسلام، والاشتراكية، والمسيحية، واليهودية، وأن شعار “الإسلام دين ودولة” أسيء فهمه وأن صحته الإسلام دين وأمه.
لقد حددنا موقف الإسلام من العلمانية، وقلنا إنه قريب جداً منها لأنه – مثلها – يدعو إلى الفصل بين الدولة والدين (كما دعونا إلى ذلك في كتاب “الإسلام دين وأمة وليس ديناً ودولة” وأن الدولة في مجتمع إسلامي لا تكون إسلامية ولا علمانية ولكن مدنية تقصر عملها على مجال العمران ورفع المستوى المادي والأدبي للشعب، بل اقترحنا حذف مادة “دين الدولة الإسلام” لأنها تكون تعله للاستغلال ولإثارة الحساسية.
انظر كتاب “موقفنا من العلمانية، والقومية، والاشتراكية”.
أما موقف الإسلام من الديمقراطية فأن الإسلام له أداته الخاصة وهى الشورى كما أنه يميل لأن يكون الحكم حكم القانون أكثر مما هو حكم الأصوات وهو ما تمناه فلاسفة أثينا. وإذا كانت الاشتراكية دعوة للعدالة، فإن الإسلام قد سبقها لأن “العدل” هو الطابع الرئيسي للإسلام وما أكثر ما ذم القرآن الظلم والطغاة والمترفين والمسرفين.. الخ، ولكن الإسلام مع هذا يقر الملكية لأنها ثمرة الكد والعمل وقرينة الشخصية فإذا أساء المالك استخدام حقه فهنا يتصدى له الإسلام لأن الملكية حتى لو كانت حقاً، فإن إساءة استخدام الحق في الإسلام تبرر التدخل وإصلاح الخلل. “انظر الكتاب السابق”.
* * *

إن من المهم أن نركز في النهاية على ثلاثة أمور:
أولاً: أن هذه النتائج مستخلصة من صريح الآيات المتكررة، ومن روح الإسلام ومن عمل الرسول ومما تقضى به “الحكمة” وهى مصدر من مصادر الإسلام قرنها القرآن بالكتاب في أكثر من مناسبة عندما تحدث عن “الكتاب والحكمة” وأشار إليها الرسول باعتبارها طلبة المسلم وضالته، وأن عليه أن ينشدها أنى وجدها.
أما الخلاف فهو مع أقوال الفقهاء الذين اصدروا أحكامهم في ضوء عصرهم وملابساتهم وأفهامهم.
ثانيا: أن هذا المنهج يتفق مع توجيه القرآن للمسلمين أن يفكروا ويتدبروا، ويعملوا أذهانهم وعقولهم، وأعتبر أن الغافلين شر من الأنعام (أُوْلَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ( {179 الأعراف}.
بل إنه يتفق مع إرادة الأئمة أنفسهم الذين دعوا الناس لأن لا يقلدونهم وقالوا كل واحد يؤخذ من كلامه ويرد إلا الرسول وقالوا “هم رجال ونحن رجال”.
هل نفعل إلا ما قاله معاذ وتقبله الرسول “أجتهد رأيي ولا آلو”؟ وهل نفعل إلا ما فعله عمر عندما جمد النص عندما انتفت العلة التي من أجله نزل؟ وهو تكييف لو اتبعه الفقهاء لتقدم الفقه، ولكنهم جبنوا ونكصوا.. بل هل نفعل إلا ما طلبه القرآن (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا( {73 الفرقان}، (فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا(‍‍‍‍!!! {78 النساء}..
ومن سقط القول الإدعاء بأننا لا يمكن أن نبلغ مبلغ أبى حنيفة أو مالك والشافعي، فلدينا علمهم ولدينا أضعاف أضعاف علمهم، ولدينا من وسائل الدرس ما لم يحلموا به.
ثالثاً: إن أي تراجع عن هذا المشروع، أو انتقاص منه أو الاكتفاء بإصلاحات جزئية أو محاولة تنقية التراث.. الخ، كلها ستكون مما حكه لسير التطور ومحاولة لتعويقه ولن يتجدد الإسلام، لأنه إنما يتجدد بأصول فقه جديدة غير التي وضعها الأئمة، وبمقاصد شريعة غير التي وضعها الشاطبى، فلن يعسر على كل من يعمل ذهنه أن يرى نقط القصور فيها ولن يتم تجديد إذا قدمت السُنة بالصورة التي يعرضها المحدثون ويسمح بوجود آلاف من الأحاديث الموضوعة والركيكة والمخالفة لروح الإسلام، ولن يتم تجديد إذا فهمنا القرآن عبر التفاسير من ابن عباس حتى سيد قطب.
لابد من التجديد، لأن الصورة التي قامت عليها هذه كلها أصبحت بالية مهلهلة لا يبقى عليها إلا التقديس، ولا خوف علينا من التجديد في هذه كلها ما دمنا نحتكم إلى القرآن ونلتزم به، ولا نختان ضمائرنا.
إن كل مفكر إسلامي حر لا يقبل الغشاوات ولا ينساق مع التيارات يؤمن بهذا. وإن كانت المؤسسة الدينية ستعارض هذا أشد المعارضة لأنها تؤمن أن من ليس منها أعنى لم يتخرج في الأزهر أو يضع على رأسه العمامة الحمراء ــ فإنه لا يكون أهلاً للحديث عن الإسلام فقد اعتبروا أنفسهم وحدهم “أهل الذكر” كأنما أخذوا من الله توكيلاً وميثاقاً واحتكروا لأنفسهم الإسلام ــ فهو حرفتهم ومصدر عيشهم ورزقهم فهم في الحقيقة لا يدافعون عنه وإنما يدافعون عن أنفسهم.
وقد وجد أمثالهم من قبل وسيتجاوزهم التاريخ وسيذهبون في أمم قد خلت فما بكت عليهم السماء والأرض، ولا كانوا منظرين(*).

ــ 4 ــ